سياسة التصعيد التي تمارسها الولايات المتحدة ضد روسيا لا يمكن تفسيرها سوى أنها من باب الصراع من أجل الحفاظ على نفوذها العالمي وتثبيت قطبيتها الأحادية، فهي تعتبر روسيا “خطراً استراتيجياً” يهدد مصالحها الاستعمارية، وترى في جرها إلى حرب عسكرية مخرجاً، تعتقد أنه يعيد الاعتبار إلى مكانتها وقيادتها الأحادية للعالم.
اليوم تتصرف الولايات المتحدة كالوحش الجريح، على إثر إخفاقاتها السياسية والعسكرية في أكثر من مكان، وهي بسلوكها العدائي، تدفع العالم نحو الانزلاق إلى نزاع جديد أخطر مما كان في عهد الحرب الباردة، ومن هنا كان لافتاً تأكيد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف بأن “أنشطة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي قرب الحدود الروسية قد تؤدي إلى تفاقم الوضع ووصوله إلى أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962″، ما يعني أن الحشودات العسكرية الأميركية والغربية قد تنبئ بخطر احتمال نشوب حرب نووية، فذاكرة العالم لم تنس بعد أن تلك الأزمة كانت الأشد مواجهة بين أميركا والاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت وكادت تقود إلى نشوب الحرب النووية.
ربما يكون الهدف الأميركي من وراء تحشيد “الناتو” والدول الأوروبية تحت الذريعة الأوكرانية، ليس المواجهة المباشرة مع روسيا، وإنما الدفع باتجاه تدمير كل العلاقات بين موسكو والدول الأوروبية، وإبقاء روسيا في حالة نزاع دائم مع تلك الدول، وبريطانيا الخارجة من حضن الاتحاد الأوروبي تدفع بهذا الاتجاه أيضاً، بهدف ضمان استمرار الولاء الأوروبي للسياسة الأميركية من جهة، ومن جهة ثانية لوقف خط أنابيب “السيل الشمالي-2” بين روسيا وألمانيا -الذي اكتمل وبات جاهزاً للعمل بانتظار أخذ التصاريح الألمانية اللازمة للبدء بضخ الغاز- وهذا تفسير واضح لتصريحات وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك والتي أشارت فيها إلى استحالة اعتماد خط الغاز الروسي في الاتحاد الأوروبي بالظروف الحالية، فلطالما عارضت الولايات المتحدة هذا المشروع وفرضت سلسلة عقوبات على الشركات المساهمة بإنجازه، لأنها تعتبر أن المشروع من شأنه أن يعزز النفوذ الروسي في أوروبا، وهذا لا يصب في مصلحتها.
الجنوح الأميركي نحو تأجيج الأوضاع في البحر الأسود وإيصالها إلى حد التصادم العسكري، يشكل بكل تأكيد خطراً داهماً غير محسوب النتائج، ليس على روسيا فحسب، وإنما على الدول الأوروبية أيضاً، وأميركا كذلك لن تكون بمنأى عن هذا الخطر، الذي قد ينبئ بحال حدوثه بوقوع حرب عالمية ثالثة، وهذا يستدعي من الولايات المتحدة أن تراجع حساباتها، وتعيد بناء علاقاتها الدولية على أساس التكافؤ وتوازن المصالح والابتعاد عن منطق القوة الغاشمة، فهذا وحده ما يحفظ مكانتها الدولية، ويضمن الحفاظ على مصالحها.
البقعة الساخنة- ناصر منذر