الملحق الثقافي:
في ظل ما تعانيه لغتنا العربية من واقع لايسر أحداً من محبيها، لايسعنا إلا أن نتذكر العلماء الأجلاء الذين نذروا جل أعمالهم في خدمتها وإعلاء شأنها، وما أكثرهم، ولكننا اليوم نقف في محطات سريعة عند سيرة عالم عايشناه في صحيفتنا «الثورة»
عالم لغة قدم الكثير الكثير، إنه العالم الجليل صلاح الدين الزعبلاوي الذي رحل عام 2001 في شهر تشرين الأول.
ومن كتاب معجم أخطاء الكتاب نستل هذه المادة التذكيرية بالراحل وما قدمه في سبيل اللغة العربية ولد الزعبلاوي بمدينة دمشق صالحية عام 1912.
انتسب إلى كلية الطب وبسبب وفاة والده لم يكمل دراسته فيها، ومن ثم انتسب إلى كلية الحقوق وتخرج فيها بمرتبة الشرف عام 1939 وسلك درب التربية والتعليم، فدرّس مادتي التاريخ والجغرافيا في عدة ثانويات بدمشق، وتولى إدارة بعض الثانويات.
وفي عام 1963 عُين مديراً للتربية بدمشق وبعدها مديراً عاماً للكتب الدراسية.
عاش شغوفاً بالعربية محباً لها وترك فيها عدة مؤلفات منها:
أخطاؤنا في الصحف والدواوين، ولغة العرب.
انطوت مكتبته على نحو عشرة آلاف كتاب، لم يكن ممن يفخرون بكثرة الكتب وهم يجهلون محتوى معظم ماجاء فيها، قال في ترجمة حياته».. وهكذا جمعت في خزانتي كل مامست إليه الحاجة من المراجع، وما يمكن أن تتسع به معرفتي، وتتأصل ثقافتي وتغني خبرتي في أداء رسالتي».
وقد تنوعت مواضيع تلك الكتب لتشمل معظم الحقول العلمية، قضى المؤلف في خدمة اللغة العربية نحو ستين عاماً مساهمة منه في ابتغاء لغة عربية سليمة من كل انحراف، متطورة تأذن بكل معاصرة تستسيغها روح العربية وطرائقها، لغة تواكب الحياة المتدفقة الزاخرة، لتكون لسان الحضارة الراهنة كما كانت لسان الحضارة الغابرة.
كان ينكب على مطالعاته وأبحاثه حتى ساعة متأخرة من الليل فلم يكن يبحث في موضوع في اللغة العربية إلا واستقصاه إلى أبعد الحدود، كان ينتقد عبارات بعض الكتب اللغوية التي كانت تشجع الكتّاب على تبرير كل ماجهلوه بسبب استخدام لفظ مافي اللغة العربية.
بالاكتفاء بقولهم «هكذا قالت العرب» فقد كان يعتقد أنه على اللغوي المتضّلع ألا يقف عند حد التسليم بعبارة «هكذا قالت العرب» بل عليه أن يجاوز ذلك، أن يجتهد ويدأب لاستقصاء السبب الحقيقي للفظ ما.
ويضيف نجله الدكتور رافع صلاح الدين الزعبلاوي في كلمة أسرة المؤلف بمقدمة كتابه «معجم أخطاء الكتّاب».
كم كان الأستاذ الزعبلاوي يود أن يخرج هذا الكتاب أثناء حياته ليرى ثمرة أعماله مجسدة في هذا المعجم، إلا أنه لم يكتب له ذلك فقد بذل جهداً وافراً في مقابلة كثير من العاملين على دور نشر مختلفة محاولاً نشر الكتاب ولكن مع إجماعهم على قيمة هذا المعجم وضرورته وغزارة مواده وخاصة في عصر كثرت فيه الأخطاء اللغوية واستشرت رأوا في الكتب التي تختص بعلاقة الرجل بالمرأة رواجاً أكثر وربحاً أوفر يغنيهم عن الاهتمام بكتب أكثر جدية وكانت هذه الحقيقة تؤسف الأستاذ الزعبلاوي، إلا أنه استمر في رجائه هذا حتى باغته المرض على حين غرّة فتوقف عن العمل إلى أن وافته المنية.
معجم أخطاء الكتّاب
يقول الدكتور محمد مكي الحسني في تقديمه لهذا المعجم:
قرأت الكثير من مقالات الأستاذ في مجلة مجمع دمشق ومجلة التراث العربي قبل أن أتعرف به شخصياً وسرعان ما نشأت بيننا صداقة أساسها حبنا المشترك للعربية، سألته مرة: لمَ لاتعيد نشر كتابك القديم (أخطاؤنا في الصحف والدواوين) الذي مضى على صدوره أكثر من نصف قرن وتضيف إليه الكلمات المنشورة في جريدة (الثورة)؟ إنها ثروة لغوية ضخمة وعظيمة الفائدة فأجابني: إنه فكر في ذلك وبدأ ينسق الكلمات المنشورة في الجريدة على حروف الهجاء وينقحها ويضيف إليها كلمات جديدة غير منشورة وإن المشكلة التي تواجهه هي أن يجد داراً للنشر تحفظ له حقوقه.
التاريخ: الثلاثاء21-12-2021
رقم العدد :1077