“ما لا نستطيع الحديث عنه، علينا أن نتجاهله بصمتٍ”..
تستطيع أن ترى تقاطعاً وخيوطاً خفية بين عبارة لودفيغ فيتغنشتاين السابقة وقناعتها “أن كل أمر لا يُحدث أثراً أو صدى واقعياً في حياتنا يُعتبر لاغياً وغير موجود”..
فمحصلة الاثنتين تتشابه ولو كانت بتمظهرات مختلفة.
ما لا نستطيع الحديث عنه وفق فيتغنشتاين، وبشكلٍ ما، هو ما لا نستطيع التعبير عنه..
حينها يتحوّل الصمت بحدّ ذاته لغة تعبير صائتة وليست صامتة أبداً.. تثير الانتباه أكثر من كل الكلمات والمفردات..
وهو بالضبط ما حدث معها..
لم تكن تدرك أن للصمت قوةً يمكن أن تحركها أكثر من كل اللغات.
ومع ذلك ومهما كان له من قوة أو كان أسلوباً أو لغةً خاصة ومشفرة، يبقى بالنسبة لها لغة “قاصرة”.. تراكم المزيد من النقص في أي اتصال/تواصل.
بالنسبة لفيتغنشتاين فضّله واختاره لأنه كان يرى أن المشكلات الفلسفية في جوهرها هي مشكلات لغوية.
لا يخصّها الآن الشأن الفلسفي، لكن بالفعل المشكلات تكون غالباً لأسباب لغوية.. اللغة المغلوطة والتي يُساء فهمها هي التي تجعلنا أحياناً نفضّل (الصمت) نهاية.
ولو كان خيار (الصمت) ذا اتجاهات متعاكسة.. وربما متناقضة..
يختاره البعض لغة منذ البداية..
بينما اختاره هي كخلاصة ربما لا يحلّ مشكلةً لكنه لا يفاقمها بذات الوقت.
ولطالما اعتبرته نقصاً حقيقياً وضعفاً في لغة المشاعر والعاطفة..
إذ كيف لها استخدامه واتباعه لإنطاق الآخر حين تصل الرغبات إلى ذرا اللاعودة..؟!
لعلها تُبصر، أخيراً، شيئاً من معنى في تفضيلهم “الصمت”..
فبعض الحقائق أو المشاعر، لا يمكن التعبير عنها إلا بلغة خاصة جداً، إلا بأنواع فريدة ومميزة من اللغة.
هكذا.. لا يرغبون بتلويث صمتهم بأي كلمة أو بأي لغة لا تحصّل المعنى ولا تمنحه فهماً مناسباً وصحيحاً.. وبالتالي فإن هذه اللغات “تلطخ الصمت بالنقصان”.. نقصانها بمعنى تقصيرها عن ملاحقة المعنى الهدف.
تدرك، الآن، أن صمته يكتمل بالنقصان، وكما لو أن وجوده بأكمله يتحدد بهذا النوع من “النقص (اللغوي) الصامت”.
رؤية- لميس علي: