في قوس الأزمات الذي تشكله الولايات المتحدة حول العالم، في منطقتنا، في وسط آسيا، في شرقها وغربها، تتعمد خلق المزيد من المشكلات التي ترقى إلى مستوى الصراعات التي لا تدع مطرحاً للاستقرار أو فرصة له.
يقول روبرت فورد السفير الأميركي السابق، رداً على الكثير من التوقعات والتقديرات التي عبر عنها مؤخراً محللون وسياسيون، من أن الولايات المتحدة ستتخلى عن الشرق الأوسط وتنسحب منه، إنها توقعات سطحية وتقديرات خاطئة، فالولايات المتحدة مقيمة هنا، متحفظاً ربما عن قول: وتتمدد!.
منذ خرجت إلى العلن رؤية بريجنسكي لبناء إمبراطورية أميركية عظمى تعيش ولا تموت، صار أمراً طبيعياً أن يكون لكل رئيس أميركي حربه أو حروبه المعلنة، التي إن لم تكن مباشرة وكلاسيكية، فإنها الحرب الحقيقية التي تجري بالوكالة أو بالاعتماد على الشركاء والأدوات، حتى أصبح هناك استراتيجية أميركية معتمدة تتحدث عن تقاسم المهام على هذه الجبهة وتلك، استمعوا لمقولات إدارة بايدن، فقد يكون بدأ للتو حربه!.
أوكرانيا، كانت خلال السنوات الماضية ملفاً صعباً ومنعطفاً مهماً، كما هو الحال مع ملفات ومنعطفات أخرى لصيقة بمنطقتنا، وإن مجموع هذه المنعطفات والملفات كانت تكشف باشتعالها في كل مرة عن تلك الطموحات الأميركية غير المشروعة التي تهدد ركائز الاستقرار العالمي وليس الإقليمي فحسب.
كازاخستان، محاولة تفجيرها ووضع اليد الثقيلة عليها، إذا كانت كشفت عن مخطط أميركي جديد قديم تتصدى له إدارة جو بايدن اليوم، فإنها جزء من ذات الرؤية والمخطط في الطريق للسيطرة على أوراسيا وتهديد روسيا والصين معاً، في عقرهما، وبضربة واحدة، وصفت بأنها تحت الحزام.
إن الصراعات المعلنة والمخفية التي تخلقها واشنطن، وتقودها، صحيح أنها استمرار لمسارات الخصومة لا التنافس الطبيعي بين الكبار، وصحيح أنها ربما تنطوي على ما هو جديد ومستحدث، إلا أن تكاثرها وتسارعها، والإصرار على المضي فيها، إنما باتت تؤشر لحدوث وقائع خطيرة ترسم ربما ما بقي طويلاً من الصعب تخيله أو قراءته لجهة المتغيرات الحتمية اللانمطية التي ستنتج عنها، وهو الأمر الذي سيثبت رعونة الأصلاء والوكلاء والشركاء معاً.
كازاخستان، بما تمثل، وهي تمثل الكثير لروسيا والصين، إذا كانت تعني الكثير لأميركا وتركيا، فهي تعني روسياً وصينياً الخط الأحمر الذي لا يسمح بالاقتراب منه، وربما لأنها كذلك فقد كان التحرك عاجلاً وفورياً، بل صادماً وحاسماً بالمقدار ذاته لأؤلئك الذين يتحدثون بوهم إحياء “العالم التركي” وللأميركيين الذين يحلمون بالإمبراطورية التي لا تموت، ولا منافس لها.
أوكرانيا، كازاخستان، نشر الدرع الصاروخية، تمدد الناتو، الهجمات السيبرانية، الحرب التجارية، العقوبات التي درجت عليها واشنطن منذ العام ٢٠١٢ هي جزء من مسار التصعيد الذي يستهدف موسكو وبكين، تُفاقمه الاستفزازات والتصريحات الصادرة عن المسؤولين في البنتاغون والبيت الأبيض، ديمقراطياً كان الرئيس أو جمهورياً هو والأغلبية بالكونغرس، ولذلك فإن أقل ما يمكن للجانبين الروسي والصيني فعله هو أن يتم التصحيح قسرياً للجانب الآخر، ذلك بتوجيه رسائل قوة تلزمه أو ترغمه على إجراء مراجعة لسياساته التي ما زال ينتهجها تأسيساً على وهم القدرة التي تسمح له بالعبث في أربع جهات الأرض، وبناء على التقديرات الخاطئة من أن فائض القوة التي يمتلكها تتيح له خلق البيئة التي تخدمه بالتوقيت الذي يحدده.
رسائل القوة، لا ينبغي أن توجه فقط إلى واشنطن والغرب الملتحق بها، بل إلى من وجه بخط كل كلمة كتبت في أنقرة، والى من يرعى كل موقف صدر فيها، وليس يخفى أن جوقة السلطان العثماني الواهم ترى الأمر في كازاخستان من زاوية رؤية تطغى بهذه الأثناء يتردد معها كثيراً “منظمة الدول التركية” الناشئة من وهم، وينظر باستخفاف الى “منظمة الأمن الجماعي” المنبثقة من إرادة، بل ويجري حديث عن انقلاب، لا عن “ثورة ملونة” رصدت العدسات مع أول تحرك فيها مشهداً إرهابياً متكرراً جرى فيه توزيع بنادق وأسلحة على نطاق واسع منظم، ووفق سيناريوهات مرتبة .. أردوغان ضالع غارق، وينبغي جعله ينتظر عملية تأديبية قاسية هذه المرة.
معاً على الطريق -علي نصر الله