الثورة _ فؤاد مسعد:
لم يعد إنتاج العمل الدرامي وعرضه مرهونا بالشروط التقليدية للمحطات التلفزيونية وإنما بات يتجه نحو أفق أبعد بكثير من ذلك ، وما نعيشه اليوم ربما لا يتعدى كونه ارهاصات أولى لعجلة آخذة بالتطور المتسارع لا نعرف بعد إلى أي مدى يمكنها الوصول ، هذا التطور الذي فرض في هذه المرحلة آليات جديدة مختلفة تماماً عما كان سائداً منذ مدة قصيرة ، إنه التغيير الذي بدأ يتسلل إلى الفكر الإنتاجي وأدواته وأساليبه كما بدأ يتسلل أيضاً إلى مختلف مفاصل العمل الدرامي بما فيه التأليف والإخراج والإضاءة .. ليأتي أكثر تماشياً وتلاؤماً مع روح العصر ، فمشاريع إنتاجية كاملة بات يُخطط لها وتنفذ لتكون وقودا للمنصات على الشبكة العنكبوتية ، تلك الأعمال التي يتم تنفيذها ضمن هذه الروح أصبح المشاهد بإمكانه متابعتها حتى على جهازه الخليوي في أي زمان ومكان ، وتوفّر له فضاءً واسعاً من الخيارات بما فيها الخيارات التي قد تقوم المنصة ذاتها بإنتاجها.
المفهوم الإنتاجي لهذه الأعمال يعتمد في أحد أوجهه على مبدأ الدراما التفاعلية فكلما حصدت هذه الخماسية أو العشارية على عدد أكبر من المشاهدات واستقطبت جمهوراً أوسع كلما ضمن لها ذلك حالة من الاستمرارية إلى مواسم إضافية ليتم إنجاز سلسلة منها تستمر طالما أن الجمهور يريد ذلك ، وما إن يُعرض عنها حتى يتم إيقافها لأنها لم تعد تحقق المطلوب ، هذا المفهوم في آلية العمل يحتاج أدوات لتحقيق عملية الاستمرار ، منها ضخ أكبر عدد من النجوم الجاذبين للمتلقي وتوفر حبكة تحوي الكثير من التشويق والإثارة واللجوء إلى أسلوب إخراجي يعتمد التكثيف بتقنية عالية تواكب عين المشاهد بصرياً ، ذلك كله من شأنه جعل المنافسة أكثر شراسة بين هذه الأعمال والمسلسلات الطويلة ذات الثلاثين حلقة خاصة أن لكل صنف ميّزاته وخصوصيته وآليات عرضه.
ـ الخيارات المفتوحة :
حول الأثر الذي يُحدِثه التغيير في آليات العرض والاتجاه نحو المنصات والأنترنيت وانعكاس ذلك على الأسلوب الإخراجي وإيقاع العمل ككل ، يقول المخرج باسم السلكا : (بات المشاهد أمام خيارات مفتوحة من الأعمال المتنوعة من حيث الموضوع والمضمون ما يضعك أمام تحدِ كبير في قدرتك على التصالح مع الجمهور من خلال عملك وأن يحصد مُشاهدة واسعة ، وهو تحدٍ يشبه ما مرت به الدراما منتصف تسعينيات القرن الماضي عند دخول الفضائيات ، وأرى أننا اليوم نمر بتجربة مشابهة) ويشير إلى أننا أمام إرهاصات مرحلة جديدة ولكنها لن تلغي الدراما التلفزيونية ، فعبر رصد التجربة الغربية في هذا المجال نجد أن المسلسل الطويل المؤلف من ثلاثين حلقة أو أكثر لايزال موجوداً ، مؤكداً أن العمل الجيد في المحصلة يثبت وجوده بمعزل عن عدد حلقاته . وانطلاقاً من تجربته مؤخراً في عشارية (وثيقة شرف) وإمكانية إنجاز عشاريات أخرى ضمن السلسلة نفسها ، يقول : نوع الحكاية المطروحة في العشارية قابل للتطوير والاستمرار بجزأين آخرين إضافة للجزء الموجود حالياً لذلك جاءت النهاية لتُنبئ بولادة جزء ثانٍ ، إلا أن قرار الاستمرار متروك للجمهور ومدى تفاعله مع المشروع.
ـ الأثر الأمضى :
بينما يؤكد المخرج باسم سلكا أن هذا التوجه لن يلغي الدراما التلفزيونية، يرى المخرج رشاد كوكش أن حضور المنصات الدرامية وعرض الأعمال عبر الانترنيت من شأنه أن يُحدث تغييراً أبعد من ذلك ، يقول : (يبدو أن المحطات التلفزيونية سيصبح أثرها في المستقبل عبر الأخبار والمنوعات ، فالمنصات اليوم تعرض أعمالاً مذهلة على مستوى الصورة والتقنية والقصة والصوت وتستقطب الأعمال المميزة مما يدفعني لأن أجوّد من عملي ، فهي ترفع من سقف مستوى المنافسة مع المسلسل التلفزيوني) ، ويذهب المخرج رشاد كوكش للتأكيد أن طقس المٌشاهدة الجديد من شأنه أن يلغي مع الوقت مسلسل الثلاثين حلقة والبديل أن يصبح هناك مواسم ، بحيث يُعرض من العمل في كل موسم عشارية أو سباعية ، وأشار إلى أن هذه العشاريات والسباعيات والخماسيات تحقق حالة من التنوع نحن بحاجة إليها خاصة أن مسلسل الثلاثين حلقة يصل إلى مرحلة تحمل شيئاً من الملل في حلقاته ، أما إن كانت هذه الأعمال ذات الحلقات القليلة تحمل امكانية أن تبقى في الذاكرة كحال بعض الأعمال الطويلة ، فيقول : هناك أعمال سورية قديمة خالدة بقيت في ذهننا ووجدت في وقت لم يكن فيه منافس لها ، ولكن التلفزيون بشكل عام ليس له ذاكرة ، ومن كثرة الأعمال لن يبقى منها شيء في الذاكرة .
ـ فرص النجاح :
تلجأ الأعمال التي تُعرض على المنصات إلى نصوص تناسب طبيعتها من حيث العدد الأقل من الحلقات وآلية العرض على الانترنيت فتأتي نصوصاً مكثفة مشوّقة وغالباً ما تحمل جرأتها ، وضمن هذا الإطار سبق وأكد الكاتب نعيم الحمصي أن من سمات الموضوعات التي تطرحها ألا تكون محلية كأن تتناول حدثاً يمكن أن يجري في أي بلد ، أما الموضوعات التي تحكي عن مشكلات وهموم الناس فيرى أن مهمة التصدي لها تقع على عاتق الأعمال التي
تُعرض على شاشة التلفزيون ، مشيراً إلى أن هناك موضوعات تناسب التلفزيون أكثر من الأنترنيت والعكس صحيح . وعن سبب زيادة الطلب على الأعمال قليلة الحلقات يؤكد الفنان أسامة الروماني أن المنصات أصبحت تطلبها لأن فرص نجاحها أكبر كما أنها ألغت مطمطة المسلسلات الطويلة وبات الكاتب حريصاً على قول كل ما يريده عبر حلقات محددة .
وحول سؤال (إلى أي مدى يمكن للجمهور تقبل خيار العدد الأقل من الحلقات بعد أن اعتاد مسلسل الثلاثين حلقة ؟) يجيب الفنان وضاح حلوم أن هذه الأعمال باتت موضة اليوم وسمة القادم مؤكداً أن الأعمال في المستقبل ستكون كلها بعدد أقل من الحلقات لتعرض على المنصات عبر الانترنيت.