الثورة – ترجمة ختام أحمد:
تنفي واشنطن أن يكون للغرب دور نشط في اضطرابات كازاخستان الجمهورية السوفييتية السابقة، ومع ذلك، فإن التنسيق العام للصراع، بالإضافة إلى التوقيت الغريب، يشير إلى مستوى معين من المؤامرات الأجنبية.
قال الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين روزفلت ذات مرة في تعليقه على مسألة المصادفات في الحياة السياسية: “في السياسة، لا يحدث شيء عن طريق الصدفة إذا حدث ذلك، يمكنك المراهنة على أنه تم التخطيط له بهذه الطريقة.
اليوم لا توجد أحداث أكثر خطورة مما كانت عليه في كازاخستان، فالبلد المطمئن في آسيا الوسطى تجتاحه الاضطرابات بين عشية وضحاها بسبب ارتفاع سعر الغاز، حيث تمكنت مجموعات متمردة من اختراق المباني الحكومية في المدن الكبرى، بما في ذلك مكتب عمدة المآاتا، وهو مبنى شاهق حديث التهمته النيران، هذا النجاح السريع من جانب حشد من الغوغاء في الشوارع يُفترض أنه بلا قيادة ضد وحدات الجيش والشرطة المدججين بالسلاح.
قالت الدكتورة إريكا مادات، المتخصصة في الهياكل الأمنية والفضاء السوفييتي السابق، لصحيفة الأمم المتحدة: “إن ما رأيناه في كازاخستان كان مفاجئاً من حيث الحجم والشدة اللذين كشفتهما الأحداث والتعبئة”.
استجاب الرئيس قاسم جومارت توكاييف بسرعة لمطالب المحتجين، وأعاد الغاز إلى سعره السابق، وعلى الرغم من هذه الإجراءات زاد عدد المتظاهرين وطالبوا بالمزيد بل وتطورت أعمالهم إلى حمل أسلحة نارية ما جعل توكاييف يستنتج أنه لم يكن يتعامل فقط مع سائقي السيارات الغاضبين، بل “إرهابيين مدربين في الخارج” يسعون للإطاحة بحكومته.
فطلب توكاييف المساعدة ولم تتردد منظمة معاهدة الأمن الجماعي، المؤلفة من روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، في إرسال قوات حفظ السلام.
وبغض النظر عن تكتيكات القتال في المناطق الحضرية الناجحة، هناك أشياء أخرى يجب مراعاتها، ليس أقلها التوقيت الغريب لهذا التفشي الأخير المناهض للحكومة على الحدود الروسية، والذي حدث قبل أيام فقط من موعد عقد المسؤولين الأمريكيين وحلف شمال الأطلسي والروس محادثات أمنية عقب اجتماعات بين المسؤولين الأمريكيين والروس في 10 كانون الثاني بجنيف.
تم تنظيم الاجتماعات المخطط لها استجابة لمقترح موسكو لاتفاقية أمنية تهدف إلى وقف توسع الناتو في دول الاتحاد السوفييتي السابق، بما في ذلك أوكرانيا، التي تسعى بنشاط للحصول على عضوية الكتلة المكونة من 30 دولة، وهو خط أحمر واضح لموسكو.
سيكون من الصعب تخيل طريقة أكثر فعالية لتعطيل هذه المحادثات من استحضار فوضى أخرى على الحدود الروسية. قال نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة أوراسيا إيرل راسموسن لوكالة سبوتنيك: “أجد أنه من المثير للاهتمام أن الاضطرابات بدت منسقة قبل الحوار الأمني بين الولايات المتحدة وروسيا” .
هل هي صدفة؟ على المرء أن يتساءل.. ومن الغريب الآخر الجدير بالذكر أن السفارة الأمريكية في نور سلطان أصدرت للتو ” تنبيهاً بالمظاهرة ” للعديد من المدن الكازاخستانية يوم السبت، 16 كانون الأول2021 ، قبل أكثر من أسبوعين من بدء الألعاب النارية الحقيقية بشكل جدي.
نعم، ربما تكون مجرد نظرية مصادفة، لكن مثل هذه “التحذيرات” الدبلوماسية تعرضت للنقد من قبل، ولاسيما من قبل موسكو بحجة تقديم تحذيرات السفر لمواطني الولايات المتحدة، يمكن القول إن رسائل وسائل التواصل الاجتماعي هذه تعمل على الترويج للأحداث المناهضة للحكومة أكثر من أي شيء آخر.
في أب 2019 استدعت روسيا دبلوماسياً أمريكياً رفيع المستوى بعد اتهام وزارة الخارجية بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد من خلال نشر خريطة على الإنترنت توضح مسار احتجاج غير مصرح به في العاصمة الروسية، في غضون ذلك لن تكتمل أي مناقشة حول إمكانية حدوث ثورة ملونة في الخارج دون ذكر الممول الأول والمحسن وفنان تغيير النظام نفسه، جورج سوروس؛ مؤسسة سوروس لها يد عميقة في جيوب كازاخستان لدرجة أنها تكاد تصل إلى كاحلي المآاتا الاطلاع على قائمة الأنشطة والمؤسسات من قبل هذه المؤسسة الواحدة.. بالمناسبة يقدر المركز الدولي للقانون غير الهادف للربح أن هناك حوالي 38000 منظمة غير حكومية تعمل في كازاخستان، ويأتي الكثير من تمويلها من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID))، الصندوق الوطني للديمقراطية، فريدوم هاوس، وغيرها.
مؤسسة سوروس، التي فتحت أبوابها في كازاخستان في عام 1995، لها بصمة ثقيلة في جميع مجالات الحياة الكازاخستانية – من الفن، إلى التعليم، إلى عالم الإعلام والسياسة، جميع القواعد مغطاة.
لم يمر مثل هذا التأثير العميق دون أن يلاحظه أحد من قبل المراقبين السياسيين، في عام 2010 أعلنت مؤسسة سوروس- كازاخستان عن دورها الجديد كوسيط بين الدولة وقطاع الأعمال والمجتمع المدني في تشكيل السياسة العامة، وهذا على الرغم من قانون جمهورية كازاخستان بشأن أنشطة المنظمات الدولية والأجنبية غير الهادفة للربح في جمهورية كازاخستان، والذي يقول: في جمهورية كازاخستان، أنشطة المنظمات الدولية والأجنبية غير هادفة للربح، فإن أهدافها أو أفعالها التي تهدف إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، محظورة.
حول هذا السؤال وأسئلة مماثلة، كتب نيكيتا دانيوك، نائب مدير معهد الدراسات والتنبؤات الاستراتيجية في جامعة RUDN، مقالة نبوية في عام 2016 بعنوان “كازاخستان تحت مظلة التقنيات السياسية المدمرة.
يقول دانيوك: منطقة آسيا الوسطى، ولاسيما كازاخستان، هي عقدة جيواستراتيجية مهمة، والسيطرة عليها تجعل من الممكن التأثير على عمليات التكامل السياسي والاقتصادي للفضاء الأوراسي بأكمله.. بعد أوكرانيا وأرمينيا، أصبحت كازاخستان خلال الشهر الماضي ساحة اختبار أخرى لتطبيق التقنيات السياسية المدمرة.
أثناء فحص الاحتجاجات في كازاخستان في صيف عام 2016، والتي كانت تركز على الإصلاح الزراعي، أفاد دانيوك أن “المنظم المباشر للاحتجاجات كان مؤسسة Adil Soz الدولية للدفاع عن حرية التعبير، والتي تشمل الجهات المانحة لها السفارتين الأمريكية والبريطانية، معهد المجتمع المفتوح التابع لجورج سوروس، فريدوم هاوس والمؤسسة الوطنية للديمقراطية (NED).
ورغم أن كازاخستان تعاني من مجموعة من المشاكل الاجتماعية والسياسية إلا أن هذا لا يعني عدم ووجد لاعبين أجانب على الأرض في البلاد يتوقون للاستفادة من هذه القضايا لتحقيق مكاسب استراتيجية.
كل الأشياء التي تم أخذها في الاعتبار، سيكون ذلك التحدي الأكبر لنور سلطان للمضي قدماً لإزالة العناصر الأجنبية المهتمة بالذات التي تثير الفوضى الإقليمية في أقرب فرصة.
بقلم: روبرت بريدج
المصدر:
Strategic Culture