الثورة- بقلم: الدكتور مازن سليم خضور:
سمعنا وقرأنا دائماً عن أطفال الشوارع وأطفال دور الرعاية والأحداث.. ولكن اليوم نتحدث عن أطفال الحرب.
تداعيات الحرب على سورية شملت كافة شرائح المجتمع لكن هذه التداعيات كان لها الأثر الأكبر على الشرائح المستضعفة لاسيما النساء والأطفال.
ما قبل العام ٢٠١١ ليس كما بعده لهذه الفئة – الأطفال- فالنسبة الكبيرة من هذه الشريحة كانت في مدارسها ووصلت معدلات التعليم ومكافحة الأمية إلى مستويات قياسية خاصة مع التشدد بتطبيق إلزامية التعليم ومنع عمالة الأطفال مترافقة مع حملات اللقاح المجانية وبالتالي كان لدينا نوع من السوية في العناية النفسية والاجتماعية والتعليمية والصحية مع هذه الفئة التي تشكل النسبة الأكبر في قاعدة الهرم السكاني كمجتمع فتي.
ففي دراسة أجرتها بعثة للصليب الأحمر نُشرت مع مرور عشر سنوات على الحرب في سورية قالت إن 3 % من الشبان، الذين شملتهم الدراسة، أكدوا أنهم لم يلتحقوا بالمدرسة على الإطلاق، في حين قال 13% إن سنوات الدراسة التي فاتتهم يتراوح عددها بين 6 و10 سنوات.
بينما كانت تشير الإحصائيات في سنوات ما قبل الحرب العدوانية إلى انخفاض نسبة الأمية في سورية من 19 بالمئة عام 2004 إلى 14.2 بالمئة عام 2007 بينما صنفت محافظات القنيطرة والسويداء وطرطوس في عام 2008 محافظات خالية من الأمية.
هذا على الصعيد التعليمي بينما على الصعيد الصحي ومع بداية الحرب في العام ٢٠١١ كانت المأساة الكبرى لهذه الشريحة من فقدانها لرعاية الأسرة وفقدان الوالدين وتسرب مخيف من المدارس وعودة أمراض كانت من المنسيات سابقاً بسبب فقدان الرعاية الصحية وانتشار الفوضى والخراب وبالتالي عدم شمول حملات اللقاح وغيرها فعاد مرض الحصبة والسل على سبيل الذكر لا الحصر.
وفي تحذير نشرته اليونيسيف في 10شباط عام 2021 أنه بعد 10 سنوات من الحرب تحتاج نسبة كبيرة من الأطفال إلى الدعم إذ يدفع العنف والأزمة الاقتصادية وجائحة “كوفيد-19” العائلات إلى حافة الهاوية وتضاعف عدد الأطفال الذين ظهرت عليهم أعراض الضيق النفسي والاجتماعي في عام 2020، فالتعرض المستمر للعنف والخوف الشديد والصدمات له تأثير كبير على الصحة النفسية للأطفال، مع ما يترتب عليها من آثار قصيرة وطويلة الأمد.
صور الأطفال في مخيمات اللجوء لم تغب عن المشهد خاصة إذا ترافقت مع ثلوج الشتاء وحر الصيف ضمن خيم لا تقيهم الحر والبرد.
جريمة أخرى مضافة بحق الطفولة في ظل هذه الحرب الإرهابية وهي تزويج القاصرات بسن صغيرة جداً ما عرضهن لمخاطر صحية ونفسية وجسدية لاسيما أن قسماً كبيراً منهن زوجن في المخيمات لأشخاص في سن متقدم والأسباب كانت مختلفة إما طلباً “للسترة” أو لأسباب اقتصادية أو لأسباب مختلفة وهنا ظهرت مشكلة مضافة وهي الأطفال مجهولي النسب ولهذه الشريحة سنتوسع في مقال لاحق.
في ظل هذا الوضع ظهر الخطر الأكبر وهو مشهد العنف والدماء أمام أعين هذه الشريحة حتى أن بعض الأطفال شارك في مشهد القتل وحمل السلاح وحتى الذبح في مشهد تقشعر له الأبدان فشهدنا عمليات تعذيب أمام أعين الأطفال وشاهدنا عمليات قتل بأيدي أطفال يحملون السلاح والأفظع عمليات ذبح بيد الأطفال في مشهد لم يكن يخطر ببال أحد أن يحصل في سورية.
مع هذا الواقع الحاصل بتنا نشاهد جرائم جديدة بحق الطفولة وسمعنا عنها بكثرة خلال الفترة السابقة وهي جريمة إلقاء الرضع في الحدائق أو في الشوارع أو على أبواب البيوت والمستشفيات وهذه عينة لما تم نشره خلال الفترة السابقة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي:
• العثور على طفل مرمي في مدخل أحد الأبنية في حي الجميلية بحلب.
• العثور على رضيع عمره 40 يوماً في مدينة حماة ومعه ورقة مكتوب عليها أنه ابن حلال.
• العثور على طفل رضيع تخلى أهله عنه أمام أحد الأبنية في حي الخضر بمدينة حمص.
• أم تترك طفلها عند امرأة مسنة في اللاذقية وتهرب.
• العثور على طفلة مرمية بأحد شوارع حلب.
أمام كل هذا يجب على المعنيين أخذ هذا الموضوع بالعمل الجاد من خلال العمل على توفير نظام اجتماعي قانوني إعلامي يعنى بهذه الظاهرة كالعمل على إنشاء مؤسسات اجتماعية لحماية ورعاية الأطفال وتفعيل المؤسسات الموجودة و إنشاء مراكز مهمّتها تأهيل أطفال نفسياً ومهنياً تفعيل دور الإعلام بوسائله المختلفة لزيادة وعي المجتمع وتحريك الرّأي العامّ حول هذه الظّاهرة كما حصل مع الفتاة في حلب وتفعيل أحكام قانون للتعامل مع الأهالي المتورطين بهذه الظاهرة- ترك الرضع- والتأكيد على أماكن رعاية لهذه الفئة العمرية التي تحتاج رعاية واهتماماً خاصاً.