لم تعد واشنطن في ظل تنامي معسكر ضخم يواجه جبروتها ويكبح تمادي عنجهيتها قادرة على تلوين خريطة المنطقة والعالم بألوان هيمنتها المطلقة وفرض مشيئتها التي تنتقص من سيادة دول ترفض المساس باستقلالية قراراتها، وإن ناورت عدوانياً وحاولت رتق ثقوب خيباتها، فمعادلة التصدي والردع بالقوة الموازية بات يكتبها منطق عسكري وسياسي وتحالفات استراتيجية قوية وممتدة على رقعة عالمية واسعة، لم تعد تأبه بترهات واشنطن ولا تقيم وزناً لتهديداتها الاستعراضية.
من كازاخستان إلى اوكرانيا إلى طهران فسورية انقلبت الطاولة الميدانية والسياسية على مرامي أميركا من وراء إشعال حرائق إرهابية تنتشي بتداعياتها وتصب في خدمة مساعيها التسلطية وفرض شروطها، وإلا ما معنى إعلانها أن الحرب مع روسيا، رغم التحشيد العسكري والإعلامي والشد على أيدي كييف بخرق اتفاق مينسك وتزويدها مع حلفائها بالناتو بالأسلحة، والوعيد والتهديد بعقوبات عالية السقف لموسكو، إن هذه الحرب غير واردة وإن الابواب الدبلوماسية مفتوحة للحلول كما صرح بلينكن، و ما معنى إعلان استعدادها للجلوس مع إيران على طاولة سياسية واحدة بعد التذبذبات و الزئبقية بالتصريحات واللعب من تحت طاولة الاتفاق النووي والغمز من قناة الشروط التعجيزية لنسف الاتفاق.
كل المؤشرات تدلل على أن هالة المارد الأميركي الخارج من قمقم السطوة والتفرد بالقرارات العالمية لعقود تلاشت، وتآكلت صورة عنجهية أميركا بحكم المتغيرات المتسارعة، وبات على إدارتها توسيع عدسة رؤية المتغيرات الدولية وعدم النظر بعينين من زجاج للقضايا والملفات الدولية، وإدراك ثقل التحالفات في الميزان العالمي، وعليها تناول الأطباق السياسية وإن غصت بحصرمها للخروج من عنق زجاجة الإرباك والتخبط، وإلا فالأمور ستسير بمنأى عن رغباتها ونياتها وكما تريد الدول التي ترفض التسلط الأميركي وتتعاظم فيها مقاومة الوجود الاحتلالي الأميركي.
ففي الجزيرة السورية رغم الفظائع الأميركية وطقوس النهب واللصوصية المرتكبة هي الرمق الشيطاني الأخير لواشنطن وعليها أن تحزم حقائب إرهابها وترحل مرغمة ومذعنة لما سيفرضه الميدان من معادلات ردع لا طاقة لبايدن بتحمل أثمانها الباهظة من أرواح جنوده المحتلين.
حدث وتعليق – لميس عودة