عقب محادثات ثنائية أجراها الرئيس الصيني شي جين بينغ مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في بكين، وجهت روسيا والصين في بيان مشترك تحذيراً جديداً للغرب، من مغبة مواصلة التفكير بعقلية الحرب الباردة، والاستمرار بمحاولات تشكيل تحالفات عدائية تستهدف الدول الرافضة للنهج الأميركي والغربي، وأكدتا أيضاً على تعميق تنسيقهما الاستراتيجي لمواجهة التغيرات الدولية، وبأن التحالف الاستراتيجي بينهما لن يتزعزع، وهذه رسائل قوة يجب على الولايات المتحدة وشركائها الغربيين قراءتها بتمعن، وعدم تجاهل مضامينها السياسية والعسكرية بأن البلدين لن يسمحا بميل كفة ميزان القوى لصالح الغرب، وهذا من شأنه تجنيب العالم خطر الانزلاق نحو نزاع جديد أخطر مما كان في عهد الحرب الباردة.
التحذير الصيني الروسي، جاء في ظل ظروف دولية معقدة وحساسة، وهو رد طبيعي على سياسات الغرب المدمرة لأسس العلاقات الدولية، إذ تدفع الولايات المتحدة نحو تسخين الأوضاع على الساحة العالمية، ما يضع حالة التوتر السائدة على حافة الانفجار، وما تشهده الساحة الأوكرانية من تحشيد عسكري غربي لمحاصرة روسيا، وحملة إعلامية مبنية على أكاذيب وروايات مضللة لتأليب الرأي العام العالمي ضد موسكو، أدخل العلاقات الروسية الأميركية في مأزق كبير، ووصلت تلك العلاقات مع (الناتو) إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة، وهي تقترب من الانهيار مع الاتحاد الأوروبي، والأمر ذاته ينطبق على علاقات الصين مع أميركا والدول الغربية، إذ تواجه بكين ضغوطاً أميركية وغربية متصاعدة، وثمة تحالفات غربية على غرار (أوكوس) تنسج لمحاولة محاصرة الصين.
أميركا ما زالت ترفض فكرة التعايش مع الحضور الروسي والصيني على المسرح الدولي، وسياسة العداء التي تضمرها تجاه هذين البلدين، هي التي دفعتهما لتعزيز تحالفهما الاستراتيجي بمواجهة هذه السياسة، وهذا الصراع بين الدول الكبرى على مراكز النفوذ العالمي لا شك بأن له انعكاسات سلبية تؤثر على الكثير من الملفات الدولية والإقليمية، فلكل دولة حساباتها الإستراتيجية والسياسية، وتسعى لتحقيق مصالحها، مع فارق أن الولايات المتحدة وحلفائها يسعون للحفاظ على قواعد الهيمنة، فيما روسيا والصين تنطلقان من مبدأ ضرورة التمسك بقواعد القانون الدولي، والميثاق الأممي للحفاظ على عالم متوازن، وهو ما تؤكد عليه أيضا سائر الدول المتضررة من السياسة الغربية الهدامة.
ما تضمنه البيان الروسي الصيني المشترك، يؤكد من حيث النتيجة، أن الغرب هو الخاسر بحال اختار طريق المواجهة بدل سياسة الدبلوماسية والحوار، وبأن موازين القوى اليوم ليست في صالحه، وهو لم يعد بمقدوره تكريس سياسة الهيمنة إلى ما لا نهاية، فثمة نظام عالمي متعدد الأقطاب يتشكل اليوم، وبخطا متسارعة، ولا شك بأن تعزيز التعاون بين جميع الدول الرافضة للسياسة الأميركية، كفيل بوضع حد لنهج الغطرسة الغربية، ويضمن أيضاً تثبيت الأمن والسلام الدوليين.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر