يبدع أبناؤنا أينما حلّوا، لذا أصبحت التسهيلات التي تمنح لهم تتسابق الدول الغربية في تقديمها للسوريين، خاصة أصحاب المواهب وحملة الشهادات، الذين صارت الغربة هاجسهم على أنها المخلص، والملاذ الآمن لهم.. والأسباب عديدة.. بعد أن كانت سورية مطمح كل غريب..
أهداف كثيرة متبادلة بين من ينشُد المغترب، والمغريات التي تمنحها الدول للسوريين، مطمح الغرب الأول عدائي لإفراغ البلاد من كفاءاتها، ما يعيق إعادة إعمار الإنسان والبنيان.. والآخر أن السوريين عباقرة، أينما حلوا وهبوا الحياة؛ وأي حياة؟ دوماً الأفضل، والعالم يشهد.
أما الشباب السوري المحاصر اقتصادياً ومعنوياً، من الغرب المعتدي ما الذي يجعله يَهبُ علمه ومعرفته؛ ويزرع جهده في غير أرضه، ليكون خيره لغير بلده. الهم الأكبر بالنسبة له هو تعقيد مفاصل الحياة وأحيانا ً سرقة أفكاره، رغم قانون حماية الملكية الفكرية.. والأهم عدم منحه صلاحيات تهمه.
ليست هذه وتلك فحسب وإنما لعدم إعطائه قَدْرَهُ الذي يُمنح له في بلاد الاغتراب. حيث المكانة العلمية اللائقة أو شراكة استثمار اختراعه، وتصنيفه الصحيح حيث يجب أن يكون. وكثير من المعوقات التي تضع له العصي في عجلات مؤهلاته ومواهبه، والكيد له في كثير من الأحيان.
وتنصيباً لبعض الجهلة في أماكن لا يستحقونها، أو على مبدأ الرجل المناسب في غير المكان المناسب الذي لو وضع حيث يجب لكان أكثر عطاءً وإبداعاً. فالجهلة يحاولون تحطيم الأفضل ظناً أن ما وصلوا إليه ملكية خاصة. وليس بوقوفهم على ظهر الأكفأ وتشويه صورته والتقليل من جودة منتجه، أو نعته بما ليس فيه.. لجعله وأمثاله في خانة اليأس من تبدل الحال للأفضل.
كل ذلك يجعل الشباب يغادر بحثاً عن خيار أفضل. أو لتخفيف عبء ثقل العيش لأسرته، فلو منحت له كامل الصلاحيات والإمكانات التي يهبها له الغرب ليبدع وينال ما يستحق لما غادر، مهما كانت التسهيلات والحفاوة المبالغ فيها لسلب علمه وعصارة عبقريته التي قد توظف ضد بلاده وشعبه. ولكان أنجز أفضل المدن العصرية على أرضه فليست الهند خيراً منّا لو أردنا…
الكثير من الشباب فهم اللعبة الهادفة إلى إفراغ البلاد منهم، فعدل عن الهجرة، شباب كانوا يشكلون النافذة الذهبية قبل الحرب على سورية تماماً.. حيث كان السعي لاستثمارهم بأفضل الطرق الإيجابية لأجل تقدم البلاد.. ومنحهم كل ما يستحقون وصولاً بهم إلى حالة الرضا.
لكن يبدو أن الكثير ممن نولتهم هذه الحرب أماكن لا يستحقونها، يودون أن تبقى البلاد على الوضع المتأرجح ما بين السخونة والهدوء، لأن في ذلك حفاظاً على مكاسب يخسرونها بهدوء الحال. فصاروا العامل الأساس في تحطيم طموح شبابٍ؛ وطنهم أولى بهم لإعادة تأهيله وبنائه.
شباب كثر يتحملون شظف العيش والعمل، لأجل تخطي الألم، إيماناً منهم أن خيوط النور لابد تعرف طريقها، ليقينها أنه لابد أن يكون من ثقوب في ستائر الظلام مهما كان دامساً.. ولأنهم يرون أن ضحكات الأطفال والثكالى والأرامل مازالت تعرف طريقها للثغور، رغم ركام الحزن الذي لف معظم البيوت.. ضاربين باليأس عرض الأيام العجاف، فالرجاء واليقين يبددان بأنوار الفكر ظلام القلوب والعقول ويفتحان آفاق الحكمة..
إضاءات- شهناز صبحي فاكوش