تعود بي الذاكرة إلى أيام الطفولة قبيل دخول المرحلة الابتدائية إذ كانت أول رحلة لي بسيارة لاندروفر جبلية من القرية إلى بانياس على طريق وعرة.. ما يكاد يعود جسدك إلى المقعد حتى يرتفع الرأس ثانية ليصطدم بسقف السيارة.
رحلة رعب جعلتني أخرج كل ما تعلمته من شتائم وأوجهها للسائق الذي يكاد يترك المقود وهو يضحك..
وذهبت أبعد من ذلك إذ قلت له سوف ( أسوق ) عنك ..
وحين وصلنا الغاية كان الخوف قد أخذ مني كل مأخذ ومازالت في البال ( كمشة كرميلا ) قدمت لي لكني رفضتها …ليتها تعود الآن ..
منذ أيام كانت الرحلة رقم (١) لي في باص النقل الداخلي بعد فترة زمنية ربما وصلت عشر سنوات ..
على اتستراد المزة مقابل اتحاد الكتاب العرب كنت مع مئات ينتظرون وسيلة نقل ..قلت : لماذا لا أتجه نحو الغرب قليلاً حتى أحظى بمقعد في حافلة صغيرة أو كبيرة ..كلما غذذت السير كانت الحشود تزداد..
إنه يوم حشر …بعد ساعتين ونيف استطعت أن أجد موطىء قدم لي على باب الباص الداخلي الأخضر..مكدوس بشري مع كل النكهات التي تريدها ( لا تدفش ..فوتوا لجوا شباب…شباب مين ما حاسب …عندك معلم ..وما في مصطلح النزق اليومي من مفردات ).
يمضي الباص متثاقلاً ..محملاً بما يزيد عن مئة وخمسين شخصاً وربما إلى المئتين يصل العدد ..
مع كل توقف مفاجىء أو عادي مد وجزر بشري من الخلف إلى الأمام وعودة إلى( همروجة لا تدفش ..بعد عني الخ ).
شعور واحد كان ينتابني : هو الخوف والقلق ولكن ليس خوف الطفولة إنما هو أبعد اليوم وأكثر مصداقية من خوف طفولي …ماذا لو حدث أي طارىء لهذه الباص المكدوسي ..عطل في المكابح مثلاً …انفجار إطار ينوء تحت هذا الثقل المرعب ؟
هواجس شتى كلما أبعدت واحداً منها اندفع غيره وأصبح أكثر إلحاحاً..
قرب السائق كنت أتخذ موقع موطىء القدم تسمرت لنصف ساعة لا أدري كم من هواجس الخوف والقلق وسيل من الأسئلة تلح علي : لماذا يحدث هذا ..مؤسساتنا تتحدث عن ٥٠٠ باص نقل داخلي منذ سنوات لكنها على ما يبدو مازالت تأتي سباحة ..
لكنك ستجد أفخم السيارات حكومية أو خاصة تتهادى في الشوارع ..تكاد تقول :طاب عيشكم ..وتردد قول الشاعر العربي القديم :يمشي الفقير وكل شيء ضده ..
هذه بعض مفردات الرحلة الأولى في باص النقل الداخلي وليست إلا ..كم أتوق أن أفاجأ بالرحلة الثانية برؤية مسؤول ما يعيش معنا هذا الشعور ولو من موقف لآخر..مسافة قصيرة وإلى أن تصل الباصات الموعودون بها يكون أطفالنا قد دخلوا الجامعات ويجدونها جاهزة.
معاً على الطريق .. ديب علي حسن ..