الثورة – رياض طبرة:
تنطلق رواية ( نيسان) للكاتبة أوجيني رزق من دمشق وتعود إليها منجزة على نحو ماتع عذابات امرأة من طبقة ميسورة , وتعود بعدما تتوسع جغرافيا الرواية لتصل إلى أمريكا بعد ألمانيا ثم تتوجه إلى الصين .
بطلة الرواية جوليا من حي أبي رمانة الدمشقي وهذا يعطينا ما يدل على انتماء البطلة إلى الطبقة الوسطى وربما الطبقة الأعلى.
ويكاد معظم شخوص الرواية من هذه الطبقة التي شتتها الحرب , ونثرتها على بقاع الأرض تجارب متنوعة وغنية .
يشي عنوانها بالكثير مما نحمله في نفوسنا عن نيسان , ففي بلادنا نيسان هو الربيع والهواء الطلق وتفتح الأزهار, وهو ولادة المراعي وساحات الجمال الأبهى في النفس, وقد نجحت الكاتبة في اختياره لإعلان ولادة حياة البطلة جوليا , وجوليا من الأسماء السورية المعمدة بعبق التاريخ والأصالة , ولادة من جديد بعيدة عن الكثير من تقاليد الولادات.
إنها التمتع باختيار من نريد , وما نريد من حياة , فكيف قدمت بطلتها ؟ وحياة من حولها , الزوج بحار لا يقوى على ترك عمله في البحر حتى لو تهددت حياته الزوجية ؛ ذلك بسبب احساسه المفرط بالملكية , ومقدرته على امتلاك النفوس من خلال ما يقدمه من فلوس, متجاهلاً لسبب أو آخر احتياجات الزوجة والأولاد لحضوره معهم في حياتهم.
جوليا وبعد تأخر كبير في اتخاذ القرار تقع في حب شاب أصغر منها, وهنا جانب من المعوقات التي يمكن أن تجعلها مترددة في الإعلان عن حبها, وكذلك لكون خالد مختلفا عن جوليا ديانة وثقافة ومستوى اجتماعيا أي الانتماء الطبقي الذي يظل يزيد من الفجوة ولا يقلصها حين يتطلب الأمر قرار العيش تحت سقف واحد.
سنعرف ذلك في رواية لاحقة كما وعدتنا الكاتبة …
وقبل ذلك لا بد من الإشارة إلى ما حملته الرواية من رومانسية كدنا نفتقدها في الأدب المعاصر بعد انسداد الأفق في كثير من مطارح الجمال ,والاسباب ليست غائبة عن بال أحد بعدما غدونا مهمومين بتوفير أبسط مقومات الاستمرار على قيد الانتظار ولو متفرجين على الحدث لا فاعلين ووجهين له.
ففي ذات شوق يكتب خالد لجوليا واكتفي بذلك
اقتربت من كرمتك المهيأة للنبيذ ولهذياني شربت منها ما رويت به اوردتي وشعرت انها انت بثوب الياسمين وانني انا انت وانك لي ص 313
في الرواية أكثر من قصة وربما كانت كل قصة أولى من قصة خالد وجوليا بأن تكون هي الرواية , فلين ابنتها مع حيدرة ، وكذلك ادريانا الفتاة الصينية التي تقع في حب سافراز الشاب الباكستاني الذي يدرس هناك , ولكن الجائحة الكبرى لم تدعهما في سلام ، فكان من ضحايا كورونا في ووهان .
جوليا أيضا كانت هناك , أجل هناك في ووهان ونجت من الوباء , لأن هناك إرادة وموجها قادرا على أن يطلعنا على تجارب هذا الكون ويمتعنا بنيسان بكل ما يعنيه وتعنيه نيسان .
الغائب في الرواية هو الفقر … لكن الهجرة هي أكثر أنواع الفقر جرحاً لقلوبنا.
