الثورة – هفاف ميهوب:
كُثرٌ من مبدعي العالم واظبوا على تحدّي الحياة، عبر انشغالهم بدراساتهم وأعمالهم الأدبية والفكرية، ودون أن تثنيهم الظروف والمعاناة، عن الاستمرار في مواجهة اليأس والخوف والقلق، وبتوالي أعمالهم وحكمة أفكارهم، انطلاقاً من إحساسهم العميق بالأمل، ولإيمانهم بما آمن به الفليسوف الألمانى “إرنست بلوخ” الذي وصفه: “الأمل اعتراف بأن الأفق مفتوح، وإقرار بأن المستقبل لن يكون إلا كما نريده، وليس معنى هذا أن الأمل بطبعه تهور واندفاع، بل إنه فى صميمه خلق وإبداع، و بواسطته تنكشف لنا إمكانية التغير الذى يدعونا للعمل وتحقيق ما نصبو إليه..”. هو إيمان مفكر عُرف بـ “فيلسوف الأمل”، فبالرغم من أنه عاش في فترة شهدت حربين عالميتين، والكثير من الاضطرابات، إلا أنه أشار إلى أن الواقع الذي يبعث على التشاؤم ويقود إلى العدميّة، هو ذاته الذي يحتوي على منافذ للتفاؤل والأمل، وقد دلّ على ذلك عبر إصدارات عديدة أشهرها “مبدأ الأمل”.
إنه يرى بأن علينا مواجهة هذا الواقع بكلّ حالاته، وعبر الأمل الذي وجده طريقة تفكير، ودعوة لتحرّر الإنسان من تذمّره وشكواه، وهي دعوة تشبه تلك التي دعا إليها الشاعر والفيلسوف اللبناني “جبران خليل جبران” عندما خاطب الإنسان: “لا تتذمّر من شوك الورد، لأن فوق هذا الشوك وردة”.
هذه الدعوات وغيرها، تجعلنا نشعر بأننا نعيش الحياة لنحيا، وبأن علينا العمل بنصيحة الحكيم الروماني “سينيكا”: “عندما نفقد كلّ أمل، علينا ألا نيأس”..
هذا ما نصح به هذا الحكيم، قبل ستة عشر قرناً من دراسة عالم الرياضيات الفرنسي “ديكارت” للعلاقة بين الخوف والأمل، فقد نبّه إلى دور الأمل في الانضباط العقلي، وذلك عبر رسائل كان قد أرسلها إلى صديق، ونذكر مما نشر منها فيما بعد تحت عنوان “رسائل إلى رواقي”:
“إننا واقعون تحت عادة المبالغة في الأسى، أو تخيّله أو توقّعه.. من المرجّح أن تحلّ علينا بعض الأزمات، ولكنها غير حقيقة واقعة الآن، فكم من مرّة حدث ماهو غير متوقّع، وكم مرّ المتوقّع دون حدوث، رغم كونه مقرّر الحدوث.. إذا انغمسنا في مخاوفنا إلى أقصى حدّ، لن نجد حدوداً لأحزاننا. لذا، دع التعقّل يساعدك، واستهن بالمخاوف بعزمٍ شديد، وإن كنت لا تستطيع فعل ذلك، واجه ضعفاً بآخر، وخفّف خوفك وقلقك بالأمل..”..

السابق