الثورة – تحقيق – سلوى إسماعيل الديب:
ترافق تسمية محافظة حمص بأم الحجار السود وهي أم الفقير، لكونها كانت خالية من مظاهر التسول في سنة من السنوات، لينقلب الحال بعد هذه الحرب العدوانية الشعواء على بلادنا وتمتلئ شوارعها، بمناظر يندى لها الجبين، ليضيع أهلها بين من يستجدي لأنه فقير محتاج، أو من امتهن التسول، ويعمل ضمن شبكات يشرف عليها أشخاص محترفون في التسول.
*جولة الثورة..
كان للثورة جولة في بعض الأحياء والشوارع الرئيسة في حمص. وكانت البداية بشارع الحضارة والتقينا “حلا” إحدى العاملات في محل ألبسة التي قالت ان التسول وصل لحدّ الإزعاج حيث لا يقتصر الأمر على فئة عمرية معينة وإنما يتجاوزها لكافة الأعمار من الأطفال الصغار حتى المسنين، حتى أنهم يستغلون الأطفال الرضع فكثيراً ما تحضر شابة ومعها رضيع لتطلب المال، وكثيرا ما يقومون بإحراج الناس، فعندما يرون شابا وفتاة سواء كانت حبيبته أو خطيبته، يرافقونهما من أول الشارع لآخره وهم يستجدون بطريقة مستفزة، وإذ تورطنا وأعطينا أحدهم يتبعه عدد كبير منهم، ومن الواضح أن أغلبهم ينتمون لجهة واحدة ومجموعات من القاطنين في حي النازحين بمنازل مهدمة وأغلبهم مكتومو القيد و لا يلتحقون بمدارس ويتباهى أطفالهم بحمل علب السجائر، وقد امتهنوا التسول وواضح أن طلبهم ليس نابعا من حاجة وإنما عمل امتهنوه، وطريقة سريعة للكسب، فهم بصحة جيدة وقادرون على العمل ،وليس لديهم إعاقة أو عجز من أي شكل، والسمة الوحيدة التي تجمعهم قلة النظافة، والعمل متوفر حتى لو كان المردود القليل هناك العديد من فرص العمل، فنحن كبشر نتعاطف مع أصحاب الإعاقة الحقيقية ..
*يزعجون الناس..
اما ‘”مهند” فقال : الأمر أصبح خطيرا ويجب إيجاد حلول وعلى الجهات المعنية تحمل مسؤولياتها في ظل ما يعانيه الناس من ضيق الحال وظروف اقتصادية متردية، وما يمارسه هؤلاء من الضغط على المارة.فقد كانت مدينة حمص قبل الحرب العدوانية على بلادنا خالية من كافة مظاهر التسول بعكس الآن..
*منتشرون بالشوارع..
والتقينا أحد أصحاب محلات المأكولات ليقول : أصبح المتسولون أكثر من المارة في الشارع وهم غير مبالين أو خائفين من أحد، حتى عندما يرون رجال الشرطة، وأبسط شيء يقومون به أن يهجموا على الطاولة في المحل واختطاف الطعام من أمام الزبون دون رادع أو خجل، وإذا امتنع عن إعطائهم بكيلون له السباب والشتم ، وخصوصاً من يمتنع عن إعطائهم المال، وأغلبهم أطفال بأعمار صغيرة والملاحظ كأنهم ضمن دوام رسمي يأتون في الصباح ويختفون بعد الخامسة مساء.
أما المهندسة “نيفين خنصر” فتقول: لقد وصل الأمر بهم لدرجة الأذى حيث قام المتسول بطلب مبلغ محدد مني ومن صديقتي وعندما لم نستجب حمل حجرا وأراد ضربنا فسارعت لإعطائه المال اتقاء شره.
*يسرقون المارة..
وبلقاء أحد أصحاب المحال في شارع الدبلان كرر نفس الشكوى السابقة وقال: بالإضافة لذلك تأتي امرأة يومياً حافية القدمين وتغني بصوت عال طالبة المال ويبدو أن لديها مشكلة في قواها العقلية. أين الجهات المعنية عنها، ولا ننسى قبل الحرب على سورية كيف كانت تحضر جمعية التسول وتقوم بجمعهم ولم نكن نرى هذه الظاهرة..
*المال بحجة النذر..
أما المواطنة “رنده الحيلوني” في عكرمة الجنوبية فأشارت لقيام المتسولين بقرع الأبواب وطلب المال بحجة الجمع لنذر، علماً أنها تراها منذ عام بنفس الطلب.
*تردد الفقراء على الجمعيات..
أشار نائب رئيس جمعية النهضة “محمد معروف” إلى أن العديد من الأشخاص يطلبون ثمن خبز أو دواء، ولدى الجمعية جداول لفقر الحال، بالتنسيق مع الشؤون الاجتماعية والعمل ويقومون بدراسة وضعهم للتحقق من الحالة.
*يقتحمون المنازل..
في منطقة الإنشاءات أشارت “رهف سرور” القاطنة في الحي الى توزيع إجباري لزيادة عدد المتسولين ومن الواضح أنهم من الافراد ومجموعات مرتحلين ولا يبدو عليهم العوز ، ووصل بهم الأمر لقرع الأبواب وإدخال أطفالهم دون استئذان ، وانتهاك حرمة المنازل.
*التسول تحول لتجارة..
المحامية “فاديا زينو”تحدثت قائلة : أول مشهد أراه صباحاً في حي ضاحية الوليد، وأنا متوجهة لعملي ، هو أطفال ورجال يحملون أكياسا على ظهورهم أو على دراجات هوائية متحلقين حول الحاوية الموجودة أمام مدخل البناء، فينبشون فيها بعصي طويلة وأحيانا بأيديهم علهم يجدون ما يصلح للبيع من قطع بلاستيكية أو خبز أو ملابس استغنى عنها أصحابها، ويضعونها في أكياسهم ثم ينطلقون للحاوية التالية.
وعندما أنتقل إلى الطريق العام لأستقل إحدى وسائل النقل العامة، يطلب مني أحياناً الشخص الذي يجلس بقربي ربما يكون رجلاً أو امرأة ولا يبدو عليه هيئة العوز أو الفقر ” زكاتك تدفعي عني” أو أحدهم يطلب من آخر أجرة السرفيس أو الباص، وأصبح مألوفاً رؤية عشرات الأطفال بثيابهم الرثة والمتسخة التي لاتقي من برد ولا من حرّ يقومون بملاحقة المارة للحصول على المال، ويحيطونهم بالأدعية والرجاء
والتوسل ومنهم من يحمل علبة بسكويت من النوع الرخيص كشكل آخر من أشكال التسول ..
وأصبح من المشاهد المعتادة رؤية نساء يجلسن على الأرض بقربهم أطفال بعمر الزهور يتوسلون المارة ويستعطفونهم لمساعدتهم، وهي مشاهد تقشعر لها الأبدان في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث لم يعد هناك مجال للبحث في صدق هؤلاء الناس أو كذبهم .
والحل لمكافحة هذه الظاهرة أرى أن يتم تفعيل العمل الأهلي من خلال الجمعيات الموجودة وتشجيع إنشاء جمعيات جديدة وزيادة الوعي بين الناس، ومساعدة الحكومة في مكافحة الظواهر السلبية في المجتمع مثل ظاهرة التسول حيث يقوم الأشخاص المقتدرون مادياً بالتضحية بجزء من أموالهم لرعاية المحتاجين ولردم الهوة التي أصبحت واضحة في المجتمع الذي يتألف من طبقة فاحشة الثراء وطبقة معدومة.
* يعاقب عليها القانون ..
واضافت”زينو”إن القوانين السورية المأخوذة منذ توصيات الأمم المتحدة والمنظمات العالمية لرعاية الطفولة والأمومة كلها تعنى بالطفولة والأمومة وتشرع لهم حقوقا يجب أن تصان من رعاية وتعليم..
كما أن التسول جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات السوري.
*القانون جير المهمة للشرطة..
ردت مديرة الشؤون الاجتماعية والعمل في حمص “سمر مصطفى” على تساؤلات المواطنين قائلة: كنا سابقاً كمديرية شؤون اجتماعية وعمل نقوم بمكافحة ظاهرة التسول الموجودة عن طريق الجمعيات كجمعية البر والخدمات الاجتماعية فهي التي تتولى هذه المهمة حتى وصلنا في إحدى السنوات لتكون مدينة حمص خالية من المتسولين، حتى جاءت الحرب العدوانية على سورية فتوقفت الجمعيات عن دورها، فجاء دور مكتب مكافحة التسول التابع للشؤون الاجتماعية والعمل الذي يقوم بجولات صباحية ومسائية لرصد حالات التسول، وكانت فعلا الحالات مضبوطة بنسبة مئوية معقولة، لكن صدور تعميم صدر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتاريخ 3/9/2021 حدّ من دور مكافحة التسول، وتم تسليم هذه الصلاحيات لأقسام الشرطة لتقوم بضبط حالات التسول وإحالتها للقضاء ، واقتصر دور مكتب مكافحة التسول على عرض حالات التسول الموقوفة من قبل أقسام الشرطة على القضاء ، حيث يقرر القاضي إما إخلاء سبيلهم أو توقيفهم بحسب الجرم المسند إليهم، وما نلاحظه الآن ليس حالة تسول وإنما ظاهرة إخلال بالآداب العامة وهنا دور أقسام الشرطة لضبط هذه الحالات.
*جولات مشتركة..
وأضافت: علماً أننا نقوم بجولات صباحية ومسائية لضبط حالات التسول عن طريق مكتب مكافحة التسول التابع لمديريتنا بمرافقة أقسام الشرطة التابعة لقطاع وجود حالة التسول وبرفقة الجمعيات.
وعن حالات الفقر الحقيقي قالت مصطفى: نقوم بالتنسيق مع الجمعيات بتلبية أي حالة تصلنا أو نسمع بها، هدفنا إيصال المساعدة لأكبر عدد من حالات الفقر الشديد في المدينة ، طبعاً ضمن الإمكانيات المتاحة، وتقدم حسب معايير كل جمعية والمشروع الذي التزمت به مع منظمة الأغذية العالمية، ولا يقتصر دورنا على تقديم السلال الغذائية بل يتجاوزها لتقديم أدوية وحفاضات وحليب للأطفال وحفاضات لذوي الاحتياجات الخاصة ونحن لا نوفر جهدا لتقديم أي مساعدة..
واختتمت قائلة: علينا أن تتكاتف جهودنا كمجتمع أهلي مع الجهات المعنية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الداخلية والإدارة المحلية للحدّ من هذه الظاهرة أو القضاء عليها..