تطورات الأوضاع في أوكرانيا، أثبتت خلال الأيام الأخيرة أن الولايات المتحدة فقدت كل أوراقها الضاغطة تجاه موسكو، حيث الرد الروسي على الاستفزازات الغربية رسم نقطة بدء العد التنازلي لقرب انتهاء القطبية الأحادية، إذ أن التحولات العسكرية والسياسية والاقتصادية في المشهد الدولي الراهن سترسخ قواعد النظام العالمي الجديد، وتعيد التوازن للعالم، بعدما استباحت الولايات المتحدة وذراعها العسكري “الناتو” أمن الشعوب واستقرارها، وباتت سياساتها الهدامة تشكل خطراً داهماً على العالم بأسره.
العملية العسكرية الخاصة التي تنفذها القوات الروسية في أوكرانيا لحماية المواطنين الروس في دونباس، لا شك أنها قلبت كل موازين وحسابات الغرب، وأظهرت مدى العجز الأميركي والأوروبي للحفاظ على سياسة الهيمنة الأحادية، فهذا الغرب الذي ورط أوكرانيا في مستنقع الحرب، أبدى عجزه الواضح عن حمايتها، خشية من القدرات الروسية، واكتفى بإشهار سلاحه القذر” العقوبات”، ولكنه سرعان ما بدأ يتحسس رأسه خوفاً من الارتدادات العكسية، وهذا هو ماكرون يحذر من مخاطر الحرب على أوروبا، ويتحدث عن إعداد حكومته خطة لتجنب الآثار الاقتصادية على بلاده، فيما حذر وزراء مالية الاتحاد الأوروبي من مغبة دفع ثمن اقتصادي باهظ جراء الحرب، علماً بأن هذه الحرب أشعلت فتيلها الولايات المتحدة، وتؤججها سياسة العداء الأوروبي لروسيا.
النظام الأوكراني يجد نفسه اليوم وحيداً في ساحة القتال، بعدما رفض كل الدعوات الروسية لتنفيذ اتفاقات مينسك، وبات يستجدي الحوار والتفاوض، ولكنه يتجاهل أن قواعد اللعبة قد تغيرت بفعل انصياعه لأوامر الغرب، وروسيا هي فقط من تحدد شروط وقواعد أي مفاوضات جديدة، لن يكون أقلها تخلي كييف عن فكرة انضمامها للناتو، والقبول بالواقع الجديد الذي تفرضه مجريات العملية العسكرية في دونباس، فهي لن تسمح أن تكون أوكرانيا خنجراً أميركياً وغربياً في خاصرتها حسب تأكيد مسؤوليها، وسبق وأن حذرت الناتو من المساس بخطوطها الحمر، وربما يعيد الغرب حساباته اليوم بعد إدراكه لحقيقية تغير موازين القوة لمصلحة روسيا وحلفائها على الساحة الدولية.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال بأن الأمم المتحدة خلقت من أجل منع وقوع الحروب، ولكنها فشلت في تحقيق هدف منع الحرب في أوكرانيا، ولكن غوتيريش يتجاهل على الدوام بأن ارتهان الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية للسياسة الأميركية والغربية هو ما يجعل هذه المنظمة عاجزة عن تنفيذ المهام الموكلة بها للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وكثير من الأحيان كانت هذه المنظمة الأممية متواطئة مع سياسات الغرب في إشعال الحروب، واستهداف الدول ذات السيادة، وسورية إنموذجاً، ولا ريب بأن التصدي الروسي لنهج الهيمنة الغربية، سيصحح مسار العلاقات الدولية، لاسيما أن هذا التصدي مدعوم من قبل جبهة عريضة ووازنة من الدول الحليفة والصديقة الرافضة لسياسة الغطرسة الأميركية، وهو بكل تأكيد سيفضي إلى عالم جديد، أكثر عدلاً وتوازناً.
نبض الحدث -بقلم أمين التحرير ناصر منذر