لحظات وتبدأ المعركة التي قد تستخدم فيها كل صنوف الأسلحة المنزلية، جميع أفراد العائلة باتوا جاهزين للهجوم والانقضاض على جهاز التلفزيون، الجميع يترقب عودة التيار الكهربائي الذي يغيب ساعات ويحضر لدقائق أو ربما لحظات، الشحوب والتجهم والتوتر كان واضحاً على الوجوه.
الجميع يحبس أنفاسه وبدا متأهباً وهو ينتظر عودة الحياة الى أركان المنزل الذي أضحى كالغابة المظلمة بعد أن وصل ضوء البطارية إلى رمقه الأخير، وقد حسم كل منهم وبمكر شديد خياراته التي سوف يخوض من أجلها معركة شرسة مع باقي أفراد العائلة، فها هي طفلة العائلة المدللة قد أفصحت عن رغبتها في مشاهدة مسلسلات وبرامج الكرتون، وها هو شقيقها الأكبر منها قد صدع رؤوس أخوته بأنه سوف يستمتع بمشاهدة برامج الرياضة التي طال شوقه إليها.
أما رب العائلة المسكين، وبما تبقى من سطوته وهيبته يحاول أن يوحي للجميع بأنه صاحب القرار والكلمة الفصل في هذا الموضوع، لذلك قرر ودون استشارة أحد أن تكون البداية من عنده وأن يكون هو أول من يشاهد التلفزيون ويحمل جهاز الريموت كونترول، أما الأم الحلقة الأضعف دائماً، فهي بحنانها الكبير تحاول أن ترضي الجميع وأن تلعب دور الإطفائي، فهي من جهة تحاول أن تهدأ روع أبنائها والتخفيف من احتقانهم، وهذا طبعاً لا يكون إلا عبر إطلاق الوعود والعهود لهم بأنهم أول من سوف يشاهد التلفزيون ويمسك بجهاز التحكم، وهي من جهة أخرى تحاول إرضاء زوجها بشتى السبل والوسائل، إلا أن محاولاتها تلك دائماً تبوء بالفشل، لأنها لا تستطيع أن تمنع حدوث مناوشات بين أبنائها نتيجة تمسك كل طرف بموقفه وقراره المسبق، مناوشات سرعان ما تتحول إلى معارك تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة والذخائر العائلية من صراخ وسب وشتم ولطم وشد شعر!؟.
في غمرة هذه المعارك الطاحنة، تُفاجئ الكهرباء الجميع بالحضور، لتنطلق معها شارة البدء في سباق الوصول إلى جهاز التلفزيون أولاً، لكن الأحلام سرعان ما تتبدد مع هروب التيار الكهربائي الذي يلوذ بالفرار مجدداً تاركاً وراءه الوجوم والصمت والصدمة، لتبقى المعركة قائمة ومستمرة، وليبقى مكان الريموت كونترول مجهول الإقامة بعد أن يكون قد خبأه أحد أفراد العائلة ونسي مكانه!؟.
عين المجتمع -فردوس دياب