الملحق الثقافي- ديب علي حسن:
لم تنل رواية عربية شهرة رواية الياطر لحنا مينة الروائي الذي كان أول من قلب مقولة :الشعر ديوان العرب إلى الرواية ديوان العصر..
حنا مينة بأمسية في كنيسة الزيتون منذ عقد ونيف من الزمن قال : هناك من قدم لي شيكاً على بياض لأكتب الجزء الثاني من الياطر ..لكني لم ولن أفعل لأن زمن كتابتها لحظة إبداعها وتدفقها كانت ومضت وثانياً لأني في دمشق وإذا ما استطاع أحد ما أن ينقل البحر إلى دمشق أو العكس أو أن يستعيد الشروط التي كتبت بها الياطر ..سأفعل…
إذن: الإبداع هو ابن اللحظة التي يولد فيها وكما يقال لا يمكنك أن تستحم بماء النهر مرتين أبداً …الأدب اليوم غيره أمس، والصحافة غيرها أيضاً..
نحن أبناء اللحظة التي نعيشها ونعمل بها …لا يمكنك أن تتجاوز شرطك الوجودي فلا تقارن ما كان منذ أيام بما هو الآن …بل ربما مع انتهاء كتابة هذه السطور لن تكون فكرتها صائبة تماماً..
ذات يوم حين كانت الصحافة الورقية بعز انتشارها وكان الملحق الثقافي لجريدة الثورة يملأ الساحة الثقافية حاور هذا الملحق آرثر ميللر أشهر كتاب المسرح ..حاوره في واشنطن …وقدم الملحق الثقافي كما الصحافة الورقية الكثير..
اليوم لابد من مزاوجة ما كان مع ما هو كائن، وما سيكون ..الأدب والفكر والثقافة ليست بمنأى عن التحولات بل هي التي تهندس ذلك والهيمنة الإعلامية الرقمية تتيح لك أن تقرأ كل ما يمنعه عنك من يظن أنه حارس التحولات…
الشيء الوحيد الثابت في هذا العالم هو المتغير ..فأنت أمس غيرك اليوم وغداً غيرك اليوم.
ولكن هذا لا يعني الانبتات عن الجذور أبداً بل أن تنبت أغصان جديدة برؤى جديدة لكنها ابنة اليوم والساعة تتكيف مع تحولات كبرى وليس مستجدات فالمستجدات أمر طارىء زائف سريع أما التحولات فهي القضايا الكبرى التي يجب العمل على تجاوزها وأول هذه التحديات أن نخرج من عقولنا قياس الحاضر على ما كان منذ يوم أو عقود أو قرون ولنعمل على إثراء الحاضر الفعلي أن نخرج رؤوسنا من التاريخ، لا التاريخ من رؤوسنا، كعظة وعبرة وعلى رأي أبي القاسم الشابي : ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر..
نحن أبناء ما هو كائن، لا ما كان.
التاريخ: الثلاثاء1-3-2022
رقم العدد :1085