٢٤ شباط الماضي بدأت موسكو عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وفي ٢٤ آذار الجاري – أي بعد ثلاثين يوماً من بدء العملية – ستشهد بروكسل ازدحام قمم واجتماعات غربية أطلسية للبحث في الأوضاع الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية الناشئة.
قبيل قرار موسكو بالتدخل في إقليم دونباس، كانت شهدت بروكسل وجنيف وفيينا الازدحام ذاته، اجتماعات ولقاءات ومباحثات كانت روسيا طرفاً فيها، التعنت الأطلسي، الأميركي – الأوروبي، والإصرار على رفض ملاقاة روسيا في منتصف الطريق أنتج الحالة القائمة بكل تعقيداتها التي ستبحثها قمة قادة دول الناتو، قمة قادة مجموعة السبع، اجتماع المجلس الأوروبي الذي أعلنت موسكو الانسحاب منه مؤخراً.
بعد شهر كامل من العويل والعقوبات، ومن اتخاذ القرارات المجنونة، ومن محاولات الشيطنة والتشويه التي استهدفت روسيا، سيجتمع الغرب وأميركا، لماذا؟ لدعم أوكرانيا، لتعزيز مستوى الردع، وللدفاع عن كل شبر من أراضي دول الناتو!.
ما معنى ذلك؟ وهل هو إلا تأكيد على أن ثمة ظاهرة صوتية باتت تمثلها القارة العجوز بالقيادة الأميركية، أو أن الأطلسية بذاتها صارت أشبه بقنبلة دخانية يلفها العجز عن الفعل إلا عن استخدام سلاح العنصرية والنازية؟!.
من يهدد أراضي دول الناتو؟ ومن الذي يجب ردعه؟ وهل روسيا في حالة دفاع عن الذات أم بحال الهجوم والاعتداء على الآخرين؟ وإذا كانت تقديرات الذاهبين إلى بروكسل ٢٤ الجاري خاطئة، فهل هناك من واجب عليهم سوى تصحيحها الذي صار أعقد وأصعب بكثير مما كان يمكن القيام به قبل ٢٤ شباط الذي تكتب فيه روسيا، وانطلاقاً منه، فصلا جديداً في العلاقات الدولية والإقليمية؟.
اجتماع وزراء الدفاع في دول الناتو ببروكسل ١٦ آذار الجاري التمهيدي لاجتماعات القادة ٢٤ منه، كما كان مجرد ظاهرة صوتية، فإن النتائج النهائية لاجتماعات القادة في الأطلسي، وبمجموعة السبع، وبمجلس أوروبا، لن تكون على الأرجح أحسن حالاً منه.
حضور جو بايدن لن يحدث الفرق، ومشاركة أردوغان ستبقى بلا أي قيمة مضافة، ليبقى الصداع المزمن مرافقاً ماكرون، والشلل سمة مميزة لشولتز، والتسول ملازماً جونسون، وأما الباقي فهم جوقة الصوت النشاز المغلوب بعضهم على أمره، فيما البعض الآخر هو من المندفعين بقوة أحقاد قديمة.
ما هو مؤكد أن موسكو ماضية بعمليتها العسكرية حتى تتحقق أهدافها في حماية أمنها واستقرارها، وفي إخراج أوكرانيا من المحور الغربي الأميركي المعادي، وفي جعلها تلتزم الحياد في المستقبل حالها حال السويد، سويسرا، ايرلندا، النمسا، وإلا فإن شذوذ السويد بالالتحاق، سيعني ربما ترتيبات أخرى لا تتوقف عند حدود جعل أوكرانيا حيادية.
جميل أن يردد ينس ستولتنبرغ أمين عام حلف الناتو معزوفة دعم أوكرانيا وتعزيز مستويات الردع والدفاع، ولطيف أن يتذكر شارل ميشيل رئيس مجلس أوروبا اكتشافه المتجدد الشراكة المهمة مع واشنطن ليعلق عليها أوهامه، وربما الأجمل أن تتفقد أورسولا فون دير لاين رئيس المفوضية الأوروبية نفعية استعادتها صديقاً حقيقياً جديدا في البيت الأبيض من بعد فقدانها له في عهد ترامب!.
يبدو أن الاعتقاد في الغرب وأميركا ما زال مسيطراً من أنهما يمتلكان قدرة تجاهل الدرس الروسي في أوكرانيا من بعد محاولتهما تجاهل الدرس السوري الطويل في تمزيق مشاريعهما باستثمار التنظيمات الإرهابية.. ومن الواضح أن التداعيات الخطيرة الحاصلة لم تردعهما حتى الآن، على الرغم من أنهما يدركان الأسباب التي منعتهما من خوض المواجهة مع روسيا في أوكرانيا.
وبانتظار التطور في مدركات الجانبين الأوروبي والأميركي لما يجري من تحولات جذرية في العالم والنظام الدولي الذي تتشكل ملامحه، فإن ارتدادات الظاهرة الصوتية ستكون كارثية على أصحابها، وإن صلاحية القنبلة الدخانية ستكون قد انتهت.
معاً على الطريق – علي نصر الله