أكثر ما يلفت النظر في الأزمة الدائرة في شرق أوروبا هو سعي الغرب المحموم لكسب الصين إلى جانبه في معركته القذرة ضد روسيا، حيث حثّ “التابع البريطاني” بوريس جونسون بكين للتخلي عن “حيادها” والانضمام إلى ما سماه “المجتمع الدولي” في إدانة العملية العسكرية الروسية، محاولاً الاصطياد في الماء العكر كعادته، بقوله :إن البعض في إدارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لديهم “وجهة نظر ثانية” بشأن الموقف الذي تنتهجه الصين من الأزمة الحالية.
المستغرب هو أن جونسون نفسه قد أخذ القرار بانضمام بلاده العام الماضي إلى تحالف “أوكوس” وهو تحالف عسكري أميركي -بريطاني -أوسترالي يستعدي ويستهدف الصين بالدرجة الأولى، أي أن الغرب يستهدف الصين بالعداء بنفس القدر الذي يستهدف فيه روسيا إن لم يكن أكثر، ويعتبرها خطراً عليه ويحاول استغلال أي فرصة من أجل الانقضاض عليها وتهشيمها وتهميشها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تتخذ بريطانيا على الأقل موقفاً محايداً من الخطوات العدائية تجاه الصين، إن كانت تعتقد أنها جزء مهم من المجتمع الدولي، ولماذا هذا الإصرار الغربي على كسب الصين في هذه المعركة طالما أنه يكنّ لها نفس العداء الذي يكنّه لروسيا..؟!
التفسير المنطقي لهذا النهج الغربي هو أن الغرب يحاول ضرب وتفكيك العلاقة التحالفية القائمة بين بكين وموسكو حالياً، من أجل قتل أي إمكانية لقيام عالم جديد متوازن ومتعدد الأقطاب يعطي لكلّ دولة حجمها الحقيقي، وهو يدرك أن انتصار روسيا في هذه الحرب هو انتصار للصين أيضاً، لأن الحرب الدائرة هي صراع أحجام سياسية على الساحة العالمية أكثر منها كحرب محدودة.
في المقابل تدرك الصين جيداً أنها مستهدفة من قبل الغرب ،وأن قوتها تكمن في العلاقة الوثيقة القائمة مع روسيا، ولذلك لن تنطلي عليها محاولات الغرب لدق أسافين بينها وبين جارتها، وقد دقّت الساعة فعلياً لولادة عالم جديد متحرر من الهيمنة الأميركية والغربية ولن تفوّت بكين هذه الفرصة لأنها تعرف أين تكمن مصلحتها ومصالح شعبها ومصالح الإنسانية جمعاء.
البقعة الساخنة – عبد الحليم سعود