الثورة – تعليق سامر البوظة
وسط محاولات الغرب المستمرة لمحاصرة روسيا وتحت ذريعة معاقبتها على عمليتها الخاصة في أوكرانيا والتي تهدف لحماية المدنيين، تصر واشنطن وأتباعها من دول الاتحاد الأوروبي على فرض حزمة من القيود العدوانية والعقوبات المسيسة ضد موسكو، رغم إدراك هذه الدول أنها لن تكون بمأمن من تبعات تلك العقوبات أو القيود أو حتى الانعكاسات السلبية التي ستخلفها على الاقتصاد العالمي بشكل عام والأوروبي بشكل خاص، ما ينذر بحدوث أزمة إنسانية عالمية واسعة النطاق، والعالم كله سيدفع الثمن.
فالعقوبات الغربية استهدفت بشكل مباشر الاقتصاد الروسي خصوصا صادرات النفط والطاقة, وهو ما انعكس بشكل مباشر على أسعار النفط عالميا التي شهدت ارتفاعا كبيرا خاصة في الدول الأوروبية التي كانت تعتمد بشكل رئيسي على النفط الروسي هذا بالإضافة إلى أن العقوبات الغربية استهدفت 70بالمئة من القطاع المصرفي الروسي وشركات رئيسية تملكها الدولة في قطاع الدفاع, لتعقيد عمل المؤسسات المالية الروسية, الأمر الذي بدأ الغرب يتلمس تبعاته أيضا, فالبنوك الأوروبية بدأت في الإفصاح عن مخاطرها, فهي اليوم تواجه خسائر فادحة بعد فرض المزيد من العقوبات الجديدة على روسيا، بسبب استحالة تبادل المدفوعات، بالإضافة لخسارة أعمال وصفقات مربحة في روسيا, ناهيك عن ارتفاع الأسعار والتسارع الحاد في التضخم.
والمخاطر الرئيسية للبنوك الأوروبية ترتبط بعمليات الخدمات المصرفية للشركات والاستثمار والمحافظ الاستثمارية, ليس هذا فحسب، فالعقوبات التي فرضت على القطاع المالي في روسيا بدأت تنعكس أيضا على العلاقات والأشكال الراسخة للتفاعل بين الهياكل الأوروبية والروسية، لأن للبنوك الأوروبية ممثليها في القطاع المالي الروسي، كما ويثير فرض العقوبات على أصول البنك المركزي الروسي وإجراءات الرد التي اتخذتها الجهة المنظمة الروسية التساؤل حول الكيفية التي ستدفع بها الشركات الروسية بالضبط التزاماتها.
البنك المركزي الأوروبي كان حذر من أن مؤسسات الائتمان الأوروبية ستواجه مشاكل إذا تم تمديد العقوبات ضد روسيا, وأن التضخم في منطقة اليورو قد يصل إلى 7.1 بالمئة هذا العام، في سيناريو قاس يسعى لاستيعاب عواقب وضع متفاقم من جراء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي, كما توقع المركزي الأوروبي أن يتم الحد من النمو الاقتصادي إلى 2.3 بالمئة, مقارنة بنمو يبلغ 3.7 بالمئة في الحالة الأساسية للبنك، والتي كانت أسعار المستهلكين فيها ستزيد بنسبة 5.1 بالمئة, فيما توقع محللون أن يؤدي تشديد العقوبات على روسيا إلى اضطرابات في سلاسل القيمة العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة من جراء4 انخفاضات أكثر حدة في الإمدادات، وإعادة تسعير أقوى في أسواق المال، إضافة إلى آثار أكبر لجولة ثانية من ارتفاع الأسعار.
ولكن على الرغم من كل تلك التحذيرات يمضي الغرب وبشكل خاص دول الاتحاد الأوروبي بتبعيته المذلة وانصياعه الأعمى للأوامر الأميركية، ولو كان ذلك على حساب مصالحه، بانتهاجه ذات الأسلوب العدواني تجاه روسيا سالكا طريق العقوبات التي تلجأ إليها دائما تلك الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة بعد كل فشل أو إخفاق والتي تدل بشكل لا يقبل الشك على مدى العجز والإفلاس الذي وصلت إليه تلك المنظومة.
بالمحصلة، العقوبات الغربية ليست جديدة على روسيا، وهي بدأت أصلا قبل انطلاق عمليتها في أوكرانيا، وروسيا اعتادت على هذا الأمر وهي قادرة على تجاوزها بنفسها ولا تحتاج مساعدة من أحد، بل على العكس الآخرون هم من بحاجتها، والوقائع على الأرض تثبت ذلك, وتلك القيود والإجراءات لن تثنيها عن مواصلة عمليتها حتى تحقيق كامل أهدافها والتي كما أعلنت موسكو مرارا أنها تهدف بشكل رئيسي إلى حماية أمنها الوطني وأمن مواطنيها، وهذا حق مشروع تكفله كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية, وعلى الغرب أن يراجع حساباته جيدا قبل فوات الأوان والتوقف عن السير وراء “الشيطان الأميركي” الذي لا يفكر إلا في مصلحته, ومستعد لأن يضحي بكل حلفائه وأصدقائه من أجل ذلك, والتاريخ يشهد.