في مثل هذا اليوم 26 آذار من عام 1966 رحل الموسيقار الكبير محمد القصبجي، الذي وصفه محمد عبد الوهاب، في برنامجه المطول (النهر الخالد) قائلاً: لقد كان من أخطر المجددين في الموسيقا العربية، لكن أم كلثوم وضعت له حداً.
ومن وجهة نظري أتساءل: كيف تضع له حداً، بعد أن قدم لها لحنه الأخير (رق الحبيب) عام 1946 الذي هو برأي كبار النقاد، من أروع مالحن لها، ويكفي أن نستعيد هذه الأغنية، وننتشي بسماع الأهات التي ترافقها، حتى ندرك مدى الظلم الذي تعرض له، ففي هذه الأغنية كشف القصبجي عن جوانب مجهولة في صوت أم كلثوم، ومنحها قدرة على التصرف باللحن، بطرق مبتكرة وغير مسبوقة، تجعله رائد المونولوج الغنائي بلا منازع، حيث يعتبر إنشاء فن المونولوج أهم تطوير في الموسيقا العربية الحديثة ( وهو تطوير مستوحى من الأوبرا الإيطالية ) ولقد قدم أول تجربة ناضجة في هذا المجال عام 1928 في أغنية ( إن كنت أسامح ) بصوت أم كلثوم أيضاً، والتي اعتبرت نقلة حضارية في تاريخ الغناء العربي، كما اعتبر من أهم المجددين في فن الطقطوقة منذ الثلاثينيات، وفي ذلك تابع الخط الذي سار عليه سيد درويش، مع الإشارة إلى أنه ولد هو وفنان الشعب سيد درويش بنفس العام 1892.
وحتى نستطيع استيعاب الجفاء الذي حصل بين أم كلثوم والقصبجي، يجب أن نعلم أنه قدم في فترة تعاونه معها، أروع الألحان لأسمهان ( ليت للبراق عيناً، أسقنيها بأبي أنت وأمي، ياطيور، فرق مابينا ليه الزمان، إيمتى حتعرف إيمتى، أنا اللي أستاهل وغيرها ) الشيء الذي وضع أسمهان من خلال ألحانه، وألحان شقيقها فريد الأطرش، في موقع المنافسة الشديدة معها، وأكثر من ذلك حققت ألحانه مع أسمهان شهرة واسعة، لم تحققها عشرات الألحان التي وضعها لأم كلثوم في أفلامها وحفلاتها (باستثناء لحنه ياصباح الخير ياللي معانا، والأغاني التي أشرت إليها )، الشيء الذي أصابها في الصميم، فحاولت حصر ألحانه بها، لكنه رفض ذلك بشدة، وكانت هذه بداية القطيعة بينهما.
ورغم أنها كانت مسؤولة عن عدم استمرارية مشروعه الفني في تطوير الموسيقا العربية، وخاصة بعد مصرع أسمهان عام 1944، إلا أنه قبل بالعمل كعازف عود في فرقتها، حتى يبقى قريباً منها، لأنه كان يحبها من طرف واحد، كما يقول بعض النقاد والموسيقيين، ولقد ردت إليه إم كلثوم الاعتبار بعد فوات الأوان، بأن ظل كرسيه شاغراً في حفلاتها بعد رحيله، ووضعت عليه العود الذي كان يعزف عليه.
رؤية- أديب مخزوم