الثورة – رنا بدري سلوم:
هل سمعتم يوماً عن امرئ لا يبقى منه إلا صوت حبره، ويظلُ ممتنّاً مبتسماً راضياً، يحقّ لنا اليوم أن نكتب عن امرأة قاومت أصابع السرطان لسنواتٍ طوال، مرض فتك بكل خليّة من جسدها، لكنه استعصى على صوت فِكرها ووجدانها.
“إلهام العطار” الزميلة الصحفيّة التي بقي حبرُ ضميرها مدوياً وأبجديتها مشرقة للأمل والأمل فقط. نكتب عنها في حضرة الغياب، كي تعلم قبل أن يجفّ ترابها أن غيابها عنا موجع حقاً، هي من تبنّت هموم المرأة وقضايا الطفل والمجتمع، كانت تصحح بالحبر الأحمر لتمنع أي خطأ لغوي ونحوي أن يتسلل إلى مقالاتنا وكيف لا وهي ابنةٌ بارّة باللغة العربيّة وأختٌ حقيقية لزميلاتها، كانت تعرف حدودها جيداً، وتعرف كيف لا يتجاوز الآخر خطوطا حمراء وضعتها بهدوء ورقيّ فكانت تنشر السلام أينما حلّ طيفها، كم من الصعب أن يفرض فعل “كان” نفسه، قبل كل كلمة نكتبها عنكِ يا ” إلهام ” يا صديقة صباحي التشرينيّ، كم يعز عليّ رثاؤكِ، وقد جمعتني معكِ سنوات من العمل الصحفي والاجتماعي، كنتِ فيها صحفيّة بارعة متفانية في عملها، تستمد محبرتها من نبض المجتمع وحديث الناس، تسعى لأن توثّق مادتها الصحفية بأدلة وبراهين، قدّست العلم وسلّطت عين قلمها على المراحل التعليمية الأولى حتى مراحل التعليم العالي، فكتبتِ عنه صفحات، وتشاركنا معاً الملفات، ولم تتعب ولم تمل، لم تكن تنظر للصحافة على أنها وظيفة حكومية أو منصب إداري، بل كان جلّ اهتمامها إيصال مطالبِ محقّة إلى الجهات المسؤولة لتسليط الضوء على قضايا المجتمع آلامه ومواجعه، واتخاذ ما يلزم لمساعدته، فكانت أبواب فكرها مشرّعة لتبنّي أي مشكلة تبحث عن حل، فهي الغيورة بانتمائها لهذا المجتمع ومناسباته المختلفة نبضها حاضر قبل قلمها، وكيف لا وهي بعثيّة الهوى سوريّة الانتماء، ” إلهام العطار” هادئة كنبع عذب، كتبت بصمت ورحلت بصمت، حتى صار صمت رحيلها أقوى من بوحِ الكلمات.