الثورة – حسين صقر:
مع أنه ليس تعميماً ولايندرج على جميع الأعمال الدرامية الرمضانية، التي يقدم بعضها نماذج قد تكون موجودة في الواقع، لكن هذه الدراما مستمرة بإظهار الوجه السلبي للمجتمع والتركيز عليه، بدل إظهار الإيجابي منه، ولك عبر تكريس مفاهيم كالعنف وتعدد الزوجات والقتل بدافع الشرف والخيانة الزوجية وإهانة المرأة، دون الإشارة للآثار السلبية لهذه المظاهر أو نبذها، في وقت نحن مقبلين فيه على إعادة الإعمار نفسياً ومادياً ومعنوياً، ومن الضروري أن نظهر الجوانب السليمة التي تساعد على عملية البناء تلك، خاصة وأن بناء الفرد هو اللبنة الأولى لبناء الصروح والحضارات.
لن ندخل بالتفاصيل والتسميات، لكن المتابع لبعض الأعمال الدرامية يلمس من خلال عناوينها السلبية، والوجه المظلم في حياة السوريين، مع أنه رغم الحرب العدوانية والعقوبات الجائرة لاتزال هناك قيم ومبادئ حافظت على ماتبقى مما جاءت عليه تلك الحرب، ويعلم أن المجتمع السوري بشكل خاص والعربي بشكل عام لديه مخزون أخلاقي كبير بعيد جداً عن مسارح الجريمة والفساد والسرقة والاعتداء على حقوق الغير، وما النماذج التي نسمع بها سوى أعداد قليلة لايمكن تعميمها، لكن بمجرد عرضها كل عام وفي كل موسم ليس إلا تكريس وتجسيد للصور المسيئة.
وبرغم أن الموسم لايزال بأوله، لكن من الواضح أن تلك الصور أبرزها يتعلق بتشويه صورة النساء وتعرضها للعديد من مظاهر العنف سواء بالإهانات اللفظية أو بالتعدى بالضرب والقتل أو خيانة الفتيات لأهاليهم وأزواجهم، وتعرضهم للعنف المعنوي والقهر سواء من الأسرة أو الزوج أو المجتمع، بالإضافة لعمليات تهريب ومخدرات وأسلحة، وفساد مسؤولين على مستوى كبير في الدولة.
إن تصوير المرأة كسلعة تحت إطار شرعي “الزواج”، والتي يتم الترويج له والإتجار بها، مجرد إرضاء للمنتجين بهدف تسويق أعمالهم، بينما تغفل الدراما بعض المشاكل الفعلية التي يتوجب تسليط الضوء عليها، ويتم المرور عليها مرور الكرام، مثل مشكلة الطلاق والعند بين الطرفين، وعدم وجود تفاهم وما يترتب عليه في نفسية الأبناء، مايؤكد أن نسبة النساء اللاتي يتعرضن للعنف في الدراما كبيرة، ما يؤكد أيضاً أننا لن نستشعر قيمة التغيير وتحقيق المساواة طالما هناك إصرار على تصدير تلك الصور السلبية سواء للفرد الذي تطغى صورة المرأة فيه أم للمجتمع، لطالما تتخذها وسائل التواصل نقطة الضعف التي يتم المساومة عليها في صفقات الفساد على اختلاف أنواعها، بالإضافة لإغفالها مشكلات الشباب وسبب الهجرة والعزوف عن الزواج وعدم وجود منازل تأويهم ووظائف وأعمال تطعمهم، والمشكلات الأساسية في انعدام فرص العمل وتغير الوضع الاقتصادي، وإن لامسته فقد مرت عليه أيضاً بشكل خجول.
قد يقول قائل: مادامت كل تلك السلبيات في هذه الدراما لماذا تحقق نسبة المتابعة الكبيرة ويتلقفها الناس بشغف، نقول لأن المتابع يهمه التسليه ولاسيما في ظل الظروف الضاغطة، ولا ينتبه إلى تلك السموم التي تمر مع الدسم أسوة ببعض القصص الأخرى التي يتعرض لها أو يتناولها في حياته العادية.
هذا فضلاً عن دراما الأجزاء التي ملها الناس وباتت قصتها مختلفة وممثلوها مختلفين والقائمين على إنتاجها، والتي تتعلق بالبيئة الشامية القديمة والتي تشوهت عن قصد حيث صورت العجز وانعدام الأفق، ويتم توجيهها بشكل مقصود لإظهار بنية المجتمع الضعيفة، ما خلا الروح الحماسية التي تصور مقارعة المحتل ولكن تغفل أدوار أناس كثر كانت لهم أدوار مهمة في مواجهة ذاك المحتل.
أما المسلسلات الدرامية الكوميدية فقد باتت مكررة ونسخاُ مكربنة عن بعضها، وتنتزع الابتسامة انتزاعاً بدل من أن تخرج من قلب المشاهد دون تكليف.
السابق