مشكلة إهمال الأرياف وعدم إيلاء الاهتمام الكافي لها في الكثير من القطاعات الحيوية وخاصة الخدمية والتعليمية، باتت اليوم تظهر بأشكال مختلفة، شكلت بمجموعها أعباء ثقيلة أرهقت سكان الأرياف وزادت من متاعبهم، وأبعدتهم عن السير في ركب التنمية الذي لطالما يجري الحديث عنه هذه الأيام..
ولعلنا نقف عند خبر تنشره اليوم (الثورة) يتحدث عن مدرسة مستأجرة في قرية بريف بانياس، وهي عبارة عن مبنى متواضع مؤلف من غرفتين وبعض الملحقات، الغريب في الأمر أنها مستأجرة منذ أكثر من عشرين عاماً وهي تخدم تلاميذ القرية إلى مرحلة التعليم الأساسي الحلقة الأولى فقط، واليوم يأتي صاحب العقار ليبدي رغبته بعدم تمديد عقد الآجار وبالتالي إخلاء المدرسة وتسليمها له..
هي حالة تستدعي فعلاً الوقوف مطولاً عند الكثير من التصريحات والتأكيدات التي تطلقها وزارة التربية بحرصها على تأمين كل مستلزمات التعليم المجاني بهدف نشر التعليم وعدم حرمان أي طالب من حقه في التعلم، ولعل السؤال الأهم، ألم يكن متاحاً بناء مدرسة في تلك القرية تكون مملوكة للدولة خلال كل تلك السنوات، بدلاً من الارتكان إلى عقار مستأجر قد لا تتوفر فيه حتى الشروط اللازمة ليكون مدرسة حقيقية..
ألم ينتبه المعنيون بالتربية سواء في محافظة طرطوس التي تتبع لها المدرسة أو حتى في وزارة التربية كإدارة مركزية، ألم يتم الانتباه إلى وجود حالات من هذا النوع وتستحق أن يتم تداركها والانتقال خطوة إلى الأمام من خلال بناء مدرسة حقيقية يتلقى فيها التلاميذ تعليمهم بشكل يتناسب مع ما يصدر من تصريحات رنانة تتحدث عن الاهتمام (بالأبناء) الطلاب، وتوفير كل الظروف المناسبة للتعليم، مع الإشارة هنا إلى أن تكلفة بناء مدرسة في قرية صغيرة لا يحتاج إلى اعتمادات مالية كبيرة..
من يسمع ما يتم طرحه من مشاريع وخطط وبرامج ولقاءات ومشاركات في مؤتمرات دولية ومحلية وإقليمية في مجال التربية يعتقد أن الكثير من القضايا التفصيلية قد حُلت وتم الانتهاء منها، وأن التطلع اليوم نحو رؤى مستقبلية أبعد، لكن الواقع في كل مرة يفاجئنا بحقائق تعكس مدى الإهمال وعدم الاكتراث بواقع الأرياف خدمياً وتعليمياً وفي مختلف النواحي.
حديث الناس -محمود ديبو