لميس عودة:
لم تكن الرقة درة الفرات السورية مدينة منكوبة باعتراف الكثيرين ومنهم منظمات دولية فحسب بل كانت وستبقى الشهيدة الشاهدة على الهمجية الغربية وعلى الفظاعة الوحشية وفداحة الانتهاكات التي قام بها تحالف أميركا الإرهابي ملتحفاً برداء محاربة” داعش” عكاز واشنطن الذي تتكئ عليه لتعتدي وتستبيح أمن الدول واستقرارها وسلام شعوبها، وتغرز أنياب أطماعها في جسد الإنسانية وأعناق منظماته الدولية القانونية.
فما جرى في الرقة من جرائم وتدمير ممنهج للمدينة واستهداف للمدنيين فصل موثق بالأدلة والبراهين من فصول الإرهاب الأميركي الكثيرة على الأراضي السورية، ومثال صارخ للعربدة الوحشية والانتهاكات السافرة لتحالف واشنطن الإرهابي الممارسة حتى اللحظة الراهنة في مدن وأرياف الجزيرة السورية، وما تم توثيقه بالأدلة والبينات من جرائم قتل وإبادات جماعية وتدمير لممتلكات أهلنا وتخريب متعمد للبنى التحتية واستهداف للأوابد التراثية التاريخية تحت ذرائع محاربة داعش، جريمة حرب موصوفة تستدعي المحاسبة الأممية و مطالبة المجتمع الدولي بمنظماته المعنية بتحمل مسؤولياته القانونية بمساءلة مجرمي الحروب الدوليين.
فمشاهد تدمير مدينة الرقة وقتل أبنائها رأى صورها العالم أجمع وشاهدوا التدمير الممنهج الكامل للمدينة من قبل التحالف الدولي المزعوم والجثث المتفسخة للمدنيين الأبرياء في شوارع المدينة وتشريد من بقي من سكانها، الأمر الذي يرقى إلى جرائم الإبادة، علما أن ذلك حصل في وقت تم فيه فتح ممرات آمنة لخروج إرهابيي داعش تحت حماية قوات التحالف العدواني لاستخدامهم في أماكن أخرى بهدف إطالة أمد الحرب المعلنة على الشعب السوري.
مساحات إعلامية كثيرة سلطت الضوء على وحشية أميركا والغرب التابع لها، وبرامج عالمية تناولت ما تعرضت له الرقة المنكوبة، وتقارير لمنظمات دولية وحتى لوزارة الحرب الأميركية تحدثت عن حجم الدمار وفداحة الانتهاكات وقباحة النيات التي ترجمت بالتدمير والتخريب المتعمد.
إذ اعتبر تقرير لمنظمة العفو الدولية أن ما جرى في الرقة من جرائم إبادة وتدمير ممنهج من خلال الضربات الجوية التي شنتها قوات التحالف الإرهابي “مجرد أمثلة على أنماط أوسع، حيث هناك أدلة قوية على أن الضربات الجوية وعمليات القصف بالمدفعية التي شنها تحالف واشنطن أدت إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، بما في ذلك خلال هجمات عشوائية وغير متناسبة تمثل انتهاكاً سافراً للقانون الدولي الإنساني وترقى لجرائم حرب ”
وأضاف التقرير “إن المدنيين من أهالي الرقّة عادوا إلى ديارهم فوجدوا منازلهم تحولت إلى حطام، وانتشلوا أحباءهم من وسط الأنقاض، وتعرضوا لخطر الموت أو الإصابة من جراء الألغام والعبوات الناسفة العشوائية والذخائر التي لم تنفجر، معتبراً أن رفض التحالف الإقرار بدوره في خلق هذا الوضع الكارثي يزيد من فداحة الوضع”.
وحمل تقرير العفو الدولية أميركا والدول المشاركة في هذا العدوان المسؤولية كاملة على جريمة تدمير الرقة واستهداف أبنائها، موضحا أنه ” إذا كانت قوات التحالف، ومعها “قوات قسد” الحليفة لها، تعتزم في نهاية المطاف منح إرهابيي داعش ممراً آمناً وحصانة من المساءلة والعقاب، فما هي المزايا العسكرية المحتملة من وراء تدمير مدينة بأكملها تقريباً وقتل هذا العدد الكبير من المدنيين؟”.
ولفتت العفو الدولية إلى أن هجمات قوات التحالف ألحقت أضراراً بالغة بالمدنيين، ولم تميز في هذه الهجمات بين الأهداف العسكرية والمدنيين وإن مثل هذا السلوك ينتهك مبدأي التمييز والتناسب اللذين يُعدَّان من المتطلبات الأساسية للقانون الدولي الإنساني، أي أن الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة هي جرائم حرب “.
وفي تقرير آخر لوزارة الحرب الأميركية البنتاغون تم الإقرار بأن القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية المشاركة في التحالف شنت عشرات الآلاف من الغارات الجوية بذريعة محاربة طواحين داعش، واعترفت القوات الأمريكية التي نفذت العدوان الهمجي بأنها أطلقت 35 ألف قذيفة مدفعية خلال العملية العسكرية على الرقة وإن القوات الأمريكية مسؤولة عن أكثر من 90 بالمئة من الضربات الجوية، كما أقر مسؤول عسكري أمريكي إن قذائف المدفعية التي أُطلقت على الرقة أكثر عدداً مما أُطلق في أي مكان آخر منذ حرب فيتنام.
بعد كل ما تم ذكره وتوثيقه من مشاهد الفظائع الوحشية والانتهاكات للقانون الدولي في الرقة، تحمل الدولة السورية الأمم المتحدة مسؤولية محاسبة مجرمي الحرب، وتدعو منظماتها المعنية للاضطلاع بدورها المفترض، مؤكدة أن ملف الرقة لن بقفل وسيبقى مفتوحاً، والجرائم المرتكبة لن تطوى حتى تجريم ومحاسبة من عاث إرهاباً وتخريباً وقتل آلاف المواطنين السوريين من قبل رعاة الإرهاب العالمي.