كتب المحرر السياسي ناصر منذر:
الشهادة هي الغذاء الروحي للأمة المؤمنة بحقيقة وجودها، وثوابت إنسانيتها الخالدة، والشهداء هم الأبطال الحقيقيون الذين يرسمون الوجه الأكمل والأبهى لأمتهم، إذ يعيدون إليها إشعاعات قيم الحضارة ومعنى الحياة الحرة الكريمة، والسوريون يواصلون بذل التضحيات، وتقديم الشهداء متمسكين بإرثهم الحضاري والتاريخي الذي صنعه أبطال السادس من أيار ومن بعدهم رفاق يوسف العظمة لحماية الاستقلال الأول، وأبطال النضال في وجه المستعمِر الفرنسي حتى جلائه، الذين كرسوا ثقافة الشهادة أو النصر في سجلات تاريخهم المشرّف التي أبرقت بعد ذلك خلال حرب تشرين التحريرية، ليضيف السوريون بتضحياتهم التي يبذلونها اليوم في مواجهة الإرهاب، إلى عيد الشهداء أَلقاً، ولشقائق النعمان التي تنبت مع انتصاراتهم على كامل تراب وطنهم، مزيداً من النقاء في سبيل عزّة وكرامة الوطن.
ففي حضرة الشهيد تستنهض ذاكرة التاريخ، لتروي ملاحم البطولة والفداء، التي سطّرها شهداؤنا الأبرار عبر تاريخ سورية الذاخر بالتضحيات، وفي ذكرى عيده تصغر العبارات أمام سمو وعظمة معنى وقيمة تضحيته، والتاريخ وثق في كل مرحلة تتعرض فيها سورية لعدوان خارجي أن الشهداء كانوا سباقين إلى مواجهة العدو بالاستبسال والشهادة كطريق للحرية صوناً للاستقلال والكرامة.
السادس من أيار.. يوم مجيد، يختصر تاريخ شعب بأكمله، ارتبط وجوده على هذه الأرض، بمسيرة نضال وكفاح مستمرة ضد الغزاة والمستعمرين، شعب أبيّ، لم يهادن يوماً محتلاً، ولم يقبل قيد العبودية والاستعمار، فقدّم قوافل الشهداء ولم يزل، من أجل عزّة وكرامة وطنه، فكانت قافلة الشهداء الأولى على يد المستعمِر العثماني عام 1916 بداية لسلسلة قوافل ارتقت دفاعاً عن الأرض ضد المستعمِر الفرنسي، وأخرى ضد همجية الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين المحتلة، ولبنان، والجولان المحتل.
عام 1916، لم يتمكن المجرم العثماني جمال السفاح من إطفاء حمية الشعب وشعلته الملتهبة عندما أعدم نخبة من المثقفين والسياسيين، فرحل ذاك الطاغية وبقي الشعب السوري يقارع المستعمرين الجدد ويواجه مخططاتهم الجديدة، ولا تزال قوافل الشهداء تعرج قافلة إثر قافلة بمواجهة الغزاة المحتلين، فمعركة اليوم هي نفسها بالأمس وإن تبدل لبوسها، حيث عاد السفاح العثماني باسم جديد هو الإرهابي أردوغان.. والعدو نفسه ما زال يحلم بإخضاع من لا يمكن إخضـاعه، ويتوهم أن باستطاعته فرض إرادته على شعب تربّى على الأنفـة وعشـق الحيـاة، ولكن هذا الشعب وجيشه المقدام يلقنون المجرم أردوغان وكل أعداء الوطن اليوم دروساً في التضحية والفداء والشهادة في سبيل الوطن، ويؤكدون للعالم أجمع أن لا إرادة تعلو فوق إرادتهم الحرة الأبية.
اليوم يجسّد أبطال الجيش العربي السوري مآثر آبائهم وأجدادهم العظام، في مقارعة الغزاة والمستعمرين، فيسطّرون أروع الملاحم البطولية في تصدّيهم للتنظيمات الإرهابية التكفيرية على مختلف تسمياتها، ومموّليها وداعميها في أميركا والغرب، ونظام أردوغان العثماني، ويسترخصون دماءهم من أجل الذود عن حياض الوطن، كي تبقى سورية كسابق عهدها، قلعة عصيّة على الأعداء، ورايتها عالية خفّاقة على الدوام.
الشّهادة ستظل هي القيمة الكبرى، وسيبقى شهداؤنا نبراساً مضيئاً لكل الشرفاء والأحرار، وستبقى لتضحياتهم دلائل عميقة في وجدان الغيورين على أوطانهم، فكل التحية لشهدائنا الأبرار الذين قدّموا الغالي والنفيس، وكلنا عزيمة وإصرار على مواصلة طريقهم حتى تحقيق النصر على الإرهاب وداعميه ومموّليه.