الثورة – رنا بدري سلوم:
أن تكون شهيداً يعني أن تترك شاهدة قبرك ليلاً وتطوف روحك النورانية حول الذين تركتهم ينتظرون، يهتفون باسمك ينادونك، يتوسّلون النصر المبين، بعد حرقة غيابك، أن تكون شهيداً يعني أنك صنعت من قداسة الوطن قبّة إلهية يُحيّيها البشر ويؤرخها الحجر، أن تكون شهيداً يعني أنك سور بيتك وأرضك ووطنك وحصنه العظيم، تقول لذويك لن ينشف تراب بلادي حتى يحيا أبناؤنا بسلام واستقلال وحريّة، أنتَ الشهيد الذي اعتليت مراتب الشرف الممهورة بحبرِ الوطن، حبرٌ نكتب فيه عن الشهداء في ذكراهم، وتعجز أبجديتنا حدّ الوجع.
آلاف الأرواح التي ارتقت لأجلكِ سورية، فتجذّرت الأرض سندياناً، أنبتت حُباًّ وبسالة وطهارة، شهداء عشقوكِ فلبوا نداءك، لبسوا ثيابهم المموهة وتسلّحوا بالإيمان كي ينتصر الحقّ على الباطل والظلم والاستبداد، شهداء مرّوا من هنا وتركوا ذكراهم في ذاكرتنا، صوت ضمائرهم ودفاعهم عن عقيدتهم ” فما بدلوا تبديلاً”، هم دواتنا ومنهجنا وكرّاسنا لأجيالنا القادمة، بدءاً من شهداء السادس من أيار 1916م الذين اعدموا جسداً ولا تزال أرواحهم حاضرة في سماء سوريّة الأبية وتاريخها العتيد، مروراً بشهداء العروبة 1948م الشهداء الذين واجهوا العدوان الثلاثي على مصر الشقيق، وصولاً إلى حرب تشرين التحريرية التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد عام 1973م وحرب الاستنزاف على ذرا جبل الشيخ وهضاب جولاننا الحبيب، هذا تاريخنا الحافل بالشهادة الممهور بالدماء المقدّسة، وهذا نضالنا وإرثنا الثمين، وإننا اليوم لا نزال نزفُ الشهداء قوافل لاستقلال سوريّة والتخلص من كل عميلٍ إرهابيّ على ذراها، فأن تكون سورياً يعني أنك الأبيّ، وأنْ تكون شهيداً يعني أن تعتنق الوطن ديناً والشهادة دنيا.