كان من اللافت اهتمام صناع المسرح وما يلوذ بهم من المتخصصين، استثمار أيام عطلة الأعياد في تقديم مسرحيات خاصة بالأطفال، تدخل على قلوبهم الفرحة وتمتعهم بوجبة من القيم والمبادىء على لسان شخوص محببة للأطفال، يتفاعلون معها ويتماهون لدرجة تقمص الشخصيات وإسقاطها على الواقع، وهذا اتضح من عدد الحضور الذي فاضت به مسارحنا ومراكزنا الثقافية، ما يؤكد من جديد أن جمهور المسرح هو حاضر كلما سنحت له الفرصة أن ينعم بعرض يحمل في مضمونه مقومات العمل الناجح، فكيف إذا كان ما يقدّم يستهدف الشريحة الأكثر أهمية في المجتمع، وهي شريحة الأطفال في مختلف أعمارهم؟
وقد أثبتت التجارب وعلى مرّ العصور والحضارات دور المسرح في حياة البشر جميعهم، ولكن يبقى لمسرح الأطفال نكهة بطعم الوعي وتكريس القيم، وقديماً قيل:” المسرح أبو الفنون” لما يتمتع به من خصائص ومعايير قادرة على مسرحة الواقع عبر الشخوص والتقنيات والنصوص المدروسة لتواكب تطلعات وطموحات الجمهور.
وبعيداً عن الشبكة العنكبوتية والألعاب الالكترونية، يأتي مسرح الطفل لينقذ طفولة الأجيال من عجلة التكنولوجيا ويعيده الى برّ الأمان عبر ما يحمله من أبعاد تربوية واجتماعية تنمي لديه الذائقة الجمالية وتصهره في بوتقة الواقع بعد أن كادت تجرفه عجلة العالم الافتراضي.
وجميعاً يدرك أن المسرح لم يعد وسيلة للتسلية والترفيه فحسب، بل أصبح وسيلة هامة في التعلم والتثقيف ونشر القيم والأفكار بأسلوب يعتمد على التشويق والتبسيط بما يعود بالفائدة على الأطفال في مراحل طفولتهم المختلفة، وهنا لابدّ أن تكون البوصلة تحفيز الأطفال على الإبداع والفكر الخلاق والتأكيد على المثل العليا وإثراء قاموس الطفل اللغوي، مع الاهتمام ببناء شخصية الطفل الاجتماعية السليمة القادرة على حمل رسالة الوطن والذود عنه.
وهذا بالطبع يتطلب التأسيس لخطة استراتيجية مدروسة للنهوض بمسرح الطفل، لأنه يشكّل منبراً تفاعلياً كبيراً يعمل على بناء الشخصية الإنسانية المستقبلية، ومن ثم بناء مجتمع متماسك بأبنائه، قوي بثقافته، ناضج بوعيه وانتمائه.
وفي كلّ مرة ننتصر فيها لأبي الفنون، لاشك نضع مدماكاً جديداً في بناء أطفال اليوم، رجال الغد، وجنود المستقبل الميامين.