الفلاح الذي تربطه مع الأرض علاقة أكثر من عضوية، وأكبر من عفوية، وهو الذي تربى وعاش وقضى جلّ حياته معها.. لازمها كأسرته، وأحسّ بدفء العلاقة بينهما كوالد وأبنائه، وإلى آخر الحكاية.
هذا الفلاح المزارع ليس من السهل عليه أن يترك الأرض ويراها أمام عينيه بوراً، أو أن يعمل بها ميزانه التجاري معها خاسراً، وهذا واقع حال معظم المزارعين في بلدنا.
إن المتتبع لواقع وحال الزراعة عندنا خلال السنوات الأخيرة يلمس بمرارة وحرقة ما وصل إليه الفلاح من عدم قدرته على مواصلة الزراعة، بل إنه يتحمل أعباء جسيمة ثقيلة أرهقت كاهله، وأثرت في حياته وأسرته ومعيشته نتيجة ضعف وتلاشي وسائل الدعم الأساسية والأسباب الموجبة للاستمرار في متابعة العمل الزراعي في الحد الأدنى، من غياب للمحروقات وخاصة المازوت والكهرباء والماء والبذار وإن توافر فتكاليفه مرتفعة جداً جداً.
وهذا يأخذنا إلى القول: إنه على الحكومة وضع أولوية دعم الفلاح في صلب خططها وبرامجها واهتمامها قولاً وفعلاً، واعتماد برامج وسياسات واضحة ومتابعة تنفيذها، وليس الاكتفاء بالحديث عن اتخاذ قرارات في هذا المجال من دون أن نحصل على نتائج ملموسة، ومن المهم مواصلة العمل حكومياً عبر لجان ومتخصصين للتأكد من تنفيذ هذه الخطط والبرامج ووصولها إلى الأهداف المرجوة.
فمن غير المعقول أن نترك الفلاح وحده يعاني، وهو الحامل الزراعي المباشر في العملية الإنتاجية! كيف لا ونحن نعتبر بلداً زراعياً بامتياز، تستحوذ منتجاتنا الزراعية ومواسمنا وغلالنا على إعجاب وتقدير وطلب أغلبية الأسواق سواء، أكانت محلية أم إقليمية أم دولية.. فعندنا الزيتون والقطن والقمح والحمضيات وأنواع عديدة أخرى من الحبوب كالعدس والذرة والشوندر، إضافة إلى العديد من الزراعات الأخرى من فواكه وخضار.
صحيح أن هناك تحديات كبيرة وصعوبات وآلاماً وأوجاعاً حصلت، وهي تواجه وتقف حجرة عثرة أمام تطور وتوسع وتحسن الزراعة، وصحيح أيضاً أنه خلال السنوات العشر الماضية تعرض هذا القطاع للتخريب والتدمير، ومنعت عنه أبسط إمكانات استمراره، لكن بالمقابل لدينا إمكانات لا بأس بها، وخاصة بعد تحسن وضع البلد من الناحية الأمنية، وتحرير معظم المناطق من العصابات الإرهابية، وبالتالي لا بد من تقديم جميع التسهيلات وأدوات ووسائل الدعم والتشجيع للفلاح أكثر وأكثر، وليكن لدينا خطة طوارئ زراعية تمكننا من استمرار واستغلال أراضينا ومواردنا الزراعية، وهذا لم نصل إليه حتى الآن، وليس أمامنا إلا أن ندعم الفلاح ونجعله يستثمر أرضه مرتاحاً وبرغبة وحماس واندفاع كما كان في السابق، وأن ندعم منتجنا المحلي ونزيد الإنتاج في جميع المواقع الزراعية والصناعية والتجارية، وبالتالي البشرية، وهذا يخفف كثيراً من حاجتنا إلى الاستيراد ويزيد من فرص التصدير.