الملحق الثقافي: فاتن أحمد دعبول:
يبدو أن عالم الرقميات والمواقع الالكترونية والمنصات الثقافية باتت أمراً واقعاً، يفرضه إيقاع الحياة المتسارع، في ظلّ هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي وسيادتها في المشهد اليومي للحياة، كونها في متناول اللحظة الراهنة، ما يساهم بشكل كبير في نشر المعلومة على اختلاف مصدرها وتنوع محتواها، وباتت تلك المواقع رغم التحفظات التي تسكنها في غير معيار، تشكّل المرجعية الأولى للأوساط الاجتماعية في غير شريحة منها.
ويجب الاعتراف أنها ساهمت في مرحلة معينة، وخصوصاً زمن انتشار وباء» الكورونا» وأثناء الحروب والنزاعات في نشر الثقافة، عبر المنتديات والمنصّات الثقافية والفنية، وتشكّلت مجموعات عديدة نجحت في خلق حراك ثقافي وفني وفكري في أوساط المجتمع كافة، وكانت نافذة نطلّ من خلالها على مجريات الأحداث في المجتمع المحلي ويمتد ليكون صلة وصل مع العالم الخارجي على اتساعه.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، إلى أي حدّ استطاعت هذه المواقع أن تساهم حقيقة في حراك ثقافي فاعل، وهل كان لها ذاك الدور الذي يصنع فرقاً ويحرك راكداً؟
د. محمد الحوراني: قانون لحماية الثقافة الوطنية
يبين د. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب أنه لا يمكن الحديث عن الثقافة التي تنشرها المواقع الالكترونية ككتلة واحدة أو بنفس الطريقة، ذلك أن ثمة الكثير من الخدمات والتسهيلات التي تقدّمها بعض المواقع الالكترونية، ولاسيما تلك التي تعنى بالكتب والدوريات ومراكز الأبحاث والترجمات.
لا بل إن بعض المواقع قدّمت خدمات جلية للمثقفين والمهتمين بالفكر والثقافة والبناء المعرفي، من خلال حرصها على وضع بعض الكتب أو المخطوطات النادرة والمهمة على مواقعها بغية الإفادة منها من قبل الباحثين والدارسين والمتخصصين في هذا الجانب أو ذاك، لا بل إنه أصبح بإمكان المرء المهتم والمعني باقتناء الكتاب أن يحصل خلال زمن قياسي على نسخة الكترونية من كتاب يرغب بالحصول عليه مجاناً، أو بسعر تحدده الجهة المسؤولة عن بيع الكتاب.
ويضيف رئيس الاتحاد: يمكن للمرء الحصول على الكتاب بزمن قياسي بدل أن ينتظر لأسابيع أو أشهر للحصول على كتاب مطبوع في أقصى أرجاء المعمورة، وقد أصبح من السهولة بمكان الحصول عليه عبر المواقع الالكترونية، وهذا بالطبع فيما يتعلق بالجانب الإيجابي.
أما فيما يتعلق بالجانب السلبي، فإن بعض المواقع الثقافي أو التي تدعي الاهتمام بالثقافة والعناية بها، قد ساهمت بشكل أساسي بنشر نصوص ليست على قدر من الأهمية، وليس لها علاقة بالثقافة أو المعرفة والإبداع، لا بل إن ثمة الكثير من الأبحاث التي تمّ تقديمها من خلال هذه المواقع وكان الهدف منها تدمير البنى المجتمعية وتقويض أسس الثقافة الوطنية الحقيقية، وضرب مقومات الهوية في هذا البلد أو ذاك.
وإذا كانت المواقع الثقافية الالكترونية قد قدّمت بعض الخدمات للثقافة والفكر والمعرفة، إلا أن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن نتخلى عن ثقافتنا الورقية والمكتوبة، ذلك أن الثقافة الالكترونية هي أقرب ما تكون إلى الذاكرة الغبارية التي سرعان ما تذروها الريح، فيصبح أصحابها بلا ذاكرة، وبلا تاريخ، أو ثقافة، ويؤكد هذا كثير من الدراسات التي تتحدث عن أشكال كبيرة وخاصة من الخطر تنتجها الثقافات الالكترونية، ومنها» أعطال الحاسب، اختراق الخصوصية، الاحتيال المالي، وأيضا ضرب الهوية وجعلها هوية سائلة».
ولهذا فلا بدّ من التأسيس لعلاقة صحية في» الثقافات الالكترونية» وهي علاقة يجب أن تحقق رابطاً بين ثلاثة عناصر حسب الدراسات الثقافية العتاد الصلب من» ماكينات، حواسب، كوابل» والعتاد المرن» البرامج» والعتاد الرطب» البشر».
ويصل بدوره إلى نتيجة مفادها أن المواقع الثقافية الالكترونية مهمة في قسم منها وجديرة بالعناية والاهتمام بها، ولكنها يجب أن لا تجعلنا نتخلى عن الكتاب الورقي وعن حفظ معلوماتنا وثقافتنا وفكرنا ورقياً، لأن هذا أدعى لاستمراريتها وديمومتها، ومن جهة أخرى ينبغي على المعنيين بالاتصالات ومراقبة الجرائم المعلوماتية أيضاً، الاشتغال مع القائمين على المؤسسات الثقافية على قانون لحماية الثقافة الوطنية الأصيلة من بعض المتسلقين والأدعياء الذين يؤسسون مواقع الكترونية ثقافية ويديرونها ولا هم لها إلا ضرب الثقافة الحقيقية الأصيلة، وهذا هو موقف اتحاد الكتاب العرب من المواقع المذكورة.
فلك حصرية: سلاح ذو وجهين

كما أوضحت فلك حصرية عضو مكتب تنفيذي في اتحاد الكتاب العرب أن المواقع الالكترونية أدخلت الحابل بالنابل، فكم وكم تم نشر الكثير من الحطام والركام تحت تسمية أو ادعاء بأنه أدب، في حين غاب النقد ورجالاته عن الساحة الثقافية الجادة والتقويمية، وقد باتت الملكية الفكرية للنصوص والكتابات في حكم الإعدام، إذ استسهل البعض من ضعاف القدرة على إيجاد أو خلق الحالة الإبداعية الأدبية والثقافية، فعمدوا إلى سرقة بعض النصوص المنشورة، سواء كانت شعراً أم غيرها، وقد حدث هذا مع بعض الزملاء، فسرقت بعض قصائدهم الشعرية أو نصوص من إبداعاتهم القصصية للأسف.
وأضافت: لقد كان من المأمول الاستفادة من بعض المواقع في عملية تفعيل الحراك الثقافي والدفع بعجلة التطور المعرفي، وإلقاء الضوء في إماطة اللثام عن المزيد من النصوص الأدبية الإبداعية وأصحابها على امتداد الساحة العربية والعالمية، إلا أن ما حصل للأسف أكد على ضرورة تفعيل وتطبيق حقوق الملكية الفكرية والأدبية والثقافية، واعتماد التقويم النقدي الحازم والجازم والتعامل بموضوعية ومنهجية مع كلّ ما يتعلق بالمنشورات أياً كان نوعها بواقعية، وبعيداً عن الشخصية والمحسوبيات والاختلافات النصيّة إن جازت لنا تسميتها تحت هذا البند.
وبينت بدورها عضو المكتب التنفيذي أن هذه المواقع سلاح ذو وجهين، وفاعليته وآثاره تتجلى في كيفية استثمار المثقف الحقيقي بإمكانيات هذه المواقع والفهم العميق لدورها ورسالتها.
عماد نداف: وسيلة العصر الكبرى

ويبين الإعلامي والباحث عماد نداف أنه شئنا أم أبينا فقد حلت المواقع الالكترونية محل الصحافة، إلى الدرجة التي أصبحت فيها الصحيفة من دون موقع الكتروني أقل أهمية منها وهي تفتح موقعا الكترونياً يعرض منشوراتها، وإذا كانت القراءة قد تراجعت في الكتاب، فهي من طرف آخر تصاعدت على وسائل التواصل، ومن بينها المواقع الالكترونية.
وعلى هذا الأساس بحسب نداف يمكن للموقع الالكتروني وصفحات التواصل الملحقة به، أن يصل إلى مساحة أوسع من المتلقين، أي من القراء، وإذا كانت الفرصة الحقيقية قد توفرت للوصول إلى الناس، فإن من الأجدى استثمارها بالعمل النافع.
وأضاف: الثقافة هي جزء من هوية أمة، يتشكل ويجدد نفسه يوما بعد يوم، ويمكن لنص أدبي أو قصيدة أو نقد أن يصل إلى عدد أكبر مما تصل إليه الصحيفة.
ويخلص بدوره للقول: إن المواقع الالكترونية ووسائل التواصل هي إحدى وسائل العصر الكبرى للتواصل الثقافي، لكن في الوقت نفسه يحتاج النص المنشور إلى تحديث في الأسلوب والعبارة ليصل بأيسر السبل.
التاريخ:الثلاثاء17-5-2022
رقم العدد :1095