ثمة علاقة متبادلة ومتداخلة بين التشكيل الحروفي الغربي، والتشكيل الحروفي العربي، لم تأخد حقها في البحث والتقصي والمتابعة، لمعرفة مدى تأثر الفنانين الحروفيين العرب المحدثين، بالحروفية الغربية الحديثة والمعاصرة، رغم كثرة الكتب والدراسات والأطروحات والمقالات التي تناولت التشكيل الحروفي العربي الحديث والمعاصر، الذي ظهر في المحترفات التشكيلية العربية، منذ أكثر من نصف قرن، (ومن يعود إلى بعض لوحات الفنانين الأجانب الرواد من أمثال: ميرو ومارك توبي وجورج ماثيو وتابيس وبول كلي واندريه ماسون وماتيس وهانز هارتونغ واندريه ميشو وجان دكوتكس وكارل هوفر وغيرهم) يجد أنهم كانوا سباقين في استخدام حركة الحروف اللاتينية والصينية وغيرها، أي أن العرب استلهموا الحروفية، من أعمال هؤلاء، وهذا يعني أن الحروفية بمعناها الحديث لم تكن إبداعاً عربياً، وهذه ناحية قلما يتحدث عنها النقد العربي.
واللافت أن الذين عملوا على توظيف حركة الخط العربي، في خدمة اللوحة الفنية التشكيلية (على غرار ما كان يجري في المحترفات الغربية) أكثريتهم من غير الموهوبين، وهؤلاء كانوا يدارون قصورهم الفني في استعادة كل ماهو مطروح ومألوف وبائد في فنون الغرب الأوروبي، وينسبونه الى التراث العربي، وذلك بإضافة كتابات سريعة وعشوائية، وعلى غرار ما نشاهده على الجدران القديمة في الأزقة والممرات الشعبية، بحيث تحولت الحركات الخطية في لوحاتهم إلى صياغات عبثية أشبه بالارتجال أو بالحركات المتتابعة والمتداخلة بدون رابط منطقي أو عقلاني، وبذلك كرست كل ماهو عبثي، تحت بيانات تنظيرية، وكتابات فلسفية تأملية، أطلقها في مطلع سبعينات القرن الماضي العراقي شاكر حسن آل سعيد منظر جماعة البعد الواحد.
ولقد وجدنا تجارب مغايرة حاول أصحابها إظهار العقلنة، التي تتوازى مع حركة الانفعالات، وذلك بالابتعاد عن الارتجال، وتقديم التكوينات المدروسة، البعيدة عن الصياغات العبثية ومعطيات الصدفة.
من جهة أخرى بعض كبار فناني الحداثة الأوروبية، استخدموا في لوحاتهم حركة الحروف العربية، إلى جانب الزخرفة ” الأرابيسكية ” (وخاصة ماتيس) وقدموها برؤية عفوية بعيدة كل البعد عن خصوصيات التراث العربي، ومنطلقه الهندسي العقلاني الدقيق، قبل أن يدور في فلكهم الفن العربي الحديث، الخارج عن قواعد التراث وأصوله الهندسية الصارمة والمضبوطة والمتوارثة.
وهنا يبرز السؤال الإشكالي الكبير: هل التجارب التشكيلية الحروفية العربية المتطرفة في عفويتها، وحتى في عبثيتها، كانت إبداعاً عربياً أم غربياً؟. إنه سؤال مطروح للنقاش، ويبدو في النهاية بمثابة صدى للالتباسات والتشابكات والاتهامات، التي تزيد من حدة التقليد المراوحة والاستلاب الحروفي.