تدرج وزارة الثقافة ضمن برنامجها الثقافي العديد من الأنشطة وورشات العمل التي تعنى بتكريس وإحياء التراث اللامادي، إيماناً منها بأن علاقة الإنسان الوطيدة بتراثه هو المحدد الأساس لهويته والرابط لحاضره بتاريخه وماضيه، وتبذل بدورها جهوداً جادة وحثيثة لنشر ثقافة الاهتمام بهذا النوع من التراث الذي يمكن أن يندثر، إذا لم تتكاتف الجهود من أجل إنقاذه وصونه من التشويه والضياع.
وليس بعيداً ما تابعناه من ورشات عمل من أجل الحفاظ على القدود الحلبية كنوع من التراث الحلبي الأصيل، وما كان منذ أيام في خان أسعد باشا من دورات في إحياء صناعة الحرير القائم على الاهتمام بتربية دودة القز بأيد حرفية ماهرة، قامت بها سيدات للحفاظ على هذا الموروث العريق، وغيرها الكثير من البرامج التي تتم بالتعاون مع المجتمع الأهلي وبعض الجهات الخاصة.
وإن كانت اتفاقية 2003 لليونيسكو تنص على أهمية العمل من أجل صون عناصر التراث المادي واللامادي، والتي تشكّل بدورها البوصلة التي يجب العمل وفقها، فإننا في الحقيقة وقياسا للجهود التي تبذل في هذا الشأن، فهي غير كافية للنهوض بمكونات تراثنا الغني والذي يضم الكثير من الحرف اليدوية والفنون، وخصوصاً في ظلّ الهجمات المتوالية لطمس الهوية الثقافية بمكوناتها كافة.
ونظراً للدور الهام الذي يشكله إحياء التراث اللامادي في تمتين العلاقات بين أفراد المجتمع، لشعورهم أنهم ينتمون إلى ثقافة موحدة، تحكمها قيم الخير والحق والجمال، ويضاف إلى ذلك العراقة والأصالة، كلّ ذلك يضعنا أمام تحدّ كبير لمواجهة محاولات الغزو العولمي الذي يجتاح العالم، وضرورة وضع برامج وخطط استراتيجية للنهوض بتراثنا سواء منه المادي أو اللامادي، فكلاهما يشكّل وعينا الجمعي والقيمي.
ومن الأهمية بمكان تعريف النشىء بمكونات تراثه عبر إدراجه في المناهج الدراسية، وتخصيص بعض الأنشطة و الرحلات الثقافية للتعرف على هذا الإرث العريق الذي ينتمي إليه، فنحن اليوم قاب قوسين أو أدنى من محاولات محو ذاكرة الأجيال عبر انفجار معلوماتي ربما لا حدود لامتداده.