لقد كان جر الأبقار ” النافقة بالتراكتور” في القرية المجاورة لقريتنا مشهداً تقشعر له الأبدان .. فالبقرة بحجم جبل أساساً ، وهي أكبر من ذلك بكثير بالنسبة لصاحبها.. لقد كان هؤلاء المنتجون الحقيقيون في حالة نفسية يرثى لها جراء نفوق أبقارهم .. ربما يكون هذا بالسياق الطبيعي للتربية أمراً طبيعياً أو أمراً غير طبيعي.
لكن القصة غير العادية وغير الطبيعية ترك المربي المجتهد المغامر يواجه مصيره وحيداً.. لا أحد يسأل .. ولا أحد يعوض ..لا تأمين ولا أمان، وهذا توجه اقتصادي ليس له أي مثيل في أي من دول العالم .
فهذه ثروات تدفن وتبدد تحت التراب أمام أعيننا، وهيهات أن يكون الأمر في الزراعة أفضل حالاً، فالزراعات الحقلية والمحمية والموسمية تتعرض لكوارث يندى لها الجبين .. وصندوق التعويض عن الأخطار الزراعية لم يتعد أن يكون جزئية صغيرة لا تغني ولا تسمن من جوع.
في كل عام نعيش المأساة نفسها في البرد والصقيع والرياح .. و يمتد الأمر إلى نظرية تدني الأسعار وأثرها على المنتج الزراعي وديمومة زراعة نفس المحصول ،في وقتها نهب ملهوفين ولبضعة أيام في حال لا يقدم ولا يؤخر ..
حقيقة يشبه “التأمين الزراعي” في سورية قصة ألف ليلة وليلة .. فمن عشرات السنوات والطروحات الصحفية تتحدث عن هذه الضرورة، وتصدَر هذا المشروع عشرات الأخبار والعناوين الأولى في الاجتماعات العامة ، حتى إن مجلس الوزراء قرر دراسة التأمين الزراعي قبل سنوات.. ودخل الموضوع في قصص الأخذ والرد .. والحال مستمر إلى يومنا هذا.
أيها السادة أعلم وتعلمون أن التأمين الزراعي قصة مختلفة عن تأمين السيارات أو التأمين الصحي أو تأمين السفر أو أية أعمال تأمينية أخرى يلهث سوق التأمين العام والخاص إليها.
وزارة المالية وعبر أذرعها الفعالة هيئة التأمين والمؤسسة العامة السورية للتأمين وكذلك الأمر شركات التأمين الخاصة واتحاد الفلاحين واتحاد غرف الزراعة واتحاد المهندسين الزراعيين ونقابة الأطباء البيطريين وحتى المنظمات العربية والدولية مثل أكساد وغيرها، كل هؤلاء هل عجزوا عن إخراج تأمين زراعي بشقيه النباتي والحيواني في سورية.
هم قادرون لأكثر وأبعد من التأمين الزراعي، و تجربة اتحاد غرف الزراعة في تأمين الماشية ماثلة امامنا.
أقول وبكامل المسؤولية الأخلاقية والقانونية ، لقد أنتج الإعلام الكثير من المواد الإعلامية عن التأمين الزراعي ، واجتمعت الهيئات والوزارات المعنية ، واجتمعت لجان مجلس الوزراء المختصة ووافق مجلس الوزراء على دراسة التأمين الزراعي منذ سنوات .. لكن شيئاً لم يخرج للعلن ولا على أرض الواقع..!
لكن أختم.. إن كل هذه الاجتماعات والتي حضرت أغلبها، لم تعادل ذرة شعور لدي عندما استيقظت عائلتي في صباح ذاك اليوم الصقيعي وقد تحول لون المزروعات من أخضر إلى أسود..وبالكامل ،ما يعني احتراق محصول البندورة المحمية في تلك السنوات الماضية .. وبالفعل فالجرح لا يوجع إلا صاحبه .. ودمتم…
لذلك اعملوا شيئاً للزراعة التي دعمها لم يتعد الخطابات.
السابق