الثورة – رشا سلوم :
مازال الكاتب والروائي أيمن الحسن مشغولا بتفاصيل المكان في كل ركن من أركان مدينته الأثيرة دمشق من باب الجابية إلى القيمرية وغيرهما من الأماكن التي تضج بالحياة والمهمشين يبدو أيمن الحسن مزروعا بكل ركن من أركان دمشق لا يستطيع أن يغادرها حتى إلى مسقط رأسه في ريف حلب .
من هنا نستطيع أن تقرأ روايته الجديدة
(خُطوات الماء السبع – القيمرية 1982) التي صدرت عن الهيئة العامة للكتاب وكانت من قبلها رواية في حضرة باب الجابية من أجواء الرواية الجديدة نقتطف :
جاءها المخاض في حقل القمح، وقد خرجت للحصاد مع طلوع الفجر، وإذ استيقظت الشمس، ورأتها على هذه الحال، أشرقت أسرع من وقتها المعتاد، ثم أرسلت أشعتها لتتهادى في اطمئنان حولها، وهي ترفع رأسها كي تتأمل الجنين الذي أنعشه ندى الصباح، يخرج من بين فخذيها، فمدت يديها إلى حبل السرّة، وقطعته بحجرين، أحدهما مثبّت في الأرض، شاهدته إلى جوارها، وآخر مسنن كالسكين، تراءى لها عن قرب.
ويكمل ماجد:
– كان ضوء الصباح أول من فبّل وجهي عندما خرجت من رحم أمي التي أدارتني باتجاه أشعة الشمس الوليدة كي تعمّدني، كما قالت، بعد ذلك وضعتني فوق حمل سنابل طريّة، حصدتْها قبل قليل، وما هي إلا بضع ثوانٍ حتى قرّبتني من ثديها الأيمن الذي بدا لي بلون التربة من حولها، وهي تأخذ نفساً عميقاً، وكأنها تسحب الأوكسجين كله إلى رئتيها، وبين برهة من الوقت وأخرى تنتبه لي، وأنا أرضع سنبلة خضراء، فتبعدها، وتلقمني ثديها من جديد. فجأة غفت، وحين صحت إذا في فمي بضع سنابل قمح فارغة، وأنا أرضع من التربة التي تحوّلت سنابلها إلى ضروع ممتلئة بحليب الأرض اللذيذ، فأسمتني: (ماجد ابن الأرض) وقبل أن أغفو تلقفت عيناي خضرة السنابل المتراقصة مع النسمات المنعشة.
باب الجابية ذاكرة المهمشين
وكانت رواية باب الجابية قد لا قت صدى مهما عند النقاد ففي ندوة عقدت عنها في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب تحدث فيها إعلاميون ونقاد يقول أحد المشاركين :
(.يذكرني عنوان الرواية بدلالات جمع الكاتب ما بين الحضرة المدنية والقدسية، هذه الحضرة التي تسمو كثيراً لنتساءل: أهي حضرة الصوفية أم حضرة الحياة أم الصبي الذي كان يشاغب مع أبيه، أم حضرة المجتمع الجامع لألوان الطيف كافة، و”في حضرة باب الجابية” هناك العمق الاجتماعي الذي نتحدث عنه، حيث أيمن الحسن حاضر في هذه الرواية، وقد أقنعنا ببراعة القول أنها صفحة من حياته، وهذه دعوة إلى المزيد من العمق في الدراسات الأدبية النقدية في الرواية العربية لدراسة المكان، فالشعر أشبع بدراسة المكان.
لعبة الإخفاء والإظهار
كما يقع على عاتق الأديب تفهـّم الواقع، وتمثـّل الأفكار والمشاعر والأحداث ليـُنتج منها أفكاراً وليدة، وليؤثـّرَ في وعي القارئ وطريقة تصوّره للعالم، وهذا ما عمل عليه الأديب أيمن الحسن في روايته عبر تناوله لعالم المهمشين في مكان لازال حتى اللحظة يمثل فضاء لهؤلاء الناس الوافدين من كل المدن السورية، وعن واقع الإنسان المهزوم في الرواية قالت الإعلامية سلوى عباس:
وضعنا أيمن الحسن في أجواء ذلك الزمن وطباع ناسه ومزاجهم وأهوائهم، سكبها في قالب روائي بأسلوب سلس وشفاف وبكثير من المصداقية، فشكل أحد التّجليات المحوريّة للسّارد الذي حاك مصائر الشخصيّات بحرفيّة قرّبتها كثيراً من نماذج الواقع، فلمْ تبقَ مجرّد كائنات ورقيّة تنتجها مخيّلة كاتب ورغباته.
انطلق أديبنا في تفاصيل روايته نحو مناطق غائرة في الجرح الإنساني وفي تاريخ الذات السورية المثقلة بأوجاعها الإنسانية والتاريخية، واستطاع مع هذه التداعيات القفز باتجاه تنمية الإحساس بالمسؤولية عند أبناء جيله، منبهاً إلى دور الكلمة التي تستدعي العلاقة بها حماية الثقافة، والأخلاق، ومحبة الوطن، ورمى بأوراقه الرومانسية في نسيج لغوي على خلفية تبادل فيها عمليتي الظهور والاختباء وراء الوصول إلى الحقيقة، وهي الفكرة الأولى والأخيرة خلف تداعياته.)