بين كانون الأول ٢٠٢١ حيث استهدف العدو الإسرائيلي مرتين مرفأ اللاذقية التجاري “٧ كانون الأول، و٢٨ منه”، وبين حزيران ٢٠٢٢ حيث تم استهداف مطار دمشق الدولي “١٠ حزيران”، جرت اعتداءات متعددة، ويحضر لأخرى على مبدأ اعتمده العدو – بالموافقة الأميركية وبالتنسيق التام مع واشنطن – يسمى “المعارك بين الحروب”.
مائير بن شبات رئيس ما يسمى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، تحدث مؤخراً عن ذلك بالتحديد، مؤكداً أن حرباً تدور في الكواليس، إذا كانت غير معلنة فهي تجري على ذلك المبدأ إلى أن يحين موعد ساعة الصفر لإعلان الحرب والمبادأة بها، هي ما اعتبرها مشروطة باستجابة الولايات المتحدة بإظهار مبدأ القوة في المواجهة التي لم تبدأ، والتي ستقود لوقوع أحداث كبرى في الشرق الأوسط وآسيا حسب تعبير ثعلب السياسة الأميركية هنري كيسنجر.
الحديث عن الحرب، الدائر اليوم على أوسع نطاق يتداول التقديرات المختلفة في مواقف الأطراف الإقليمية والدولية التي تتقدم نحو ترجيح احتمالات وقوع الاشتباك الخشن الذي سيؤدي لحرب شاملة من شأنها أن تلحق دماراً هائلاً بأطرافها في حال نشوبها، لكنها – حسب التوقعات – ستؤدي لإيجاد مخارج من الأزمات والمآزق في المنطقة والعالم، ذلك لأن التراكمات الحاصلة جعلت من أمر الحرب خياراً لكل الأطراف ربما.
ومع غياب، أو انعدام وجود مؤشرات سياسية قد تمهد لحدوث تفاهمات تشكل بنية أو أرضية لإنجاز تسويات أو حلول للأزمات المتفجرة، تبقى المؤشرات الأخرى هي الأكثر وضوحاً وتقدماً باتجاه التصعيد الذي يسبق الحرب، وهو الأمر الذي يدفع لتوقع أن يكون هذا الصيف ساخناً، ذلك بالنظر إلى خطورة انتقال الاعتداءات إلى مرحلة جديدة بالاستهداف “المرفأ التجاري والمطار المدني، في سورية”، “الثروة النفطية والغازية، في لبنان”، وفي إيران “الاغتيالات والهجمات السيبرانية وتخريب مفاوضات فيينا”.
بالتأكيد، جرى ويجري الرد على الاعتداءات الإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر – يحتاج البعض للتوضيح، هذا صحيح – لكن الرد لم يتوقف، وربما يتم التحضير لردود ردعية مؤلمة، وأخرى أكثر قسوة، غير أن الاستدراج لخوض الحرب التي تبحث عنها منظومة العدوان بتوقيتها لن يتم، وإذا كانت مؤشراتها تتكاثر، فإن ساعة الصفر لإعلانها ستبقى بيدنا لا بيد العدو.
لا يخفى على أحد أن الغرب وأميركا يعانيان اليوم أكبر وأخطر أزمة بسبب موقفهما من روسيا والحرب في أوكرانيا، وستتعمق أكثر مع التحرشات الجارية بالصين على خلفية إشعال النزاع حول تايوان، ولا يخفى أن الكيان الإسرائيلي المهدد بانهيار ائتلافه الحاكم يعاني أزمات داخلية معقدة “أربع انتخابات بالكنيست خلال عامين لم تخرجه منها”، إضافة إلى ما تشير له مراكز أبحاثه من أنه يواجه تهديدات وجودية خارجية بالإشارة إلى ما يسمى بالجبهات الخمس التي ينبغي أن يقاتل عليها بالتوازي.
الأزمات إياها، في “إسرائيل” والغرب وأميركا، التعقيدات التي تنطوي عليها، هي ما يجعل هذه الأطراف تبحث عن التسخين والتفجير، عن الاشتباك والحرب، ذلك لأن هذه الأطراف باتت على قناعة بأن سياسة القضم والاحتواء والضغط والإملاء والترهيب وصلت لطريق مسدود، وبات حجم ارتداداتها أكبر من أن تستوعبه، وصار لا بد من الذهاب لخيار الحرب رغم عدم التيقن من نتائجها.
محاولة تشكيل قوة عسكرية أميركية إسرائيلية خليجية في المنطقة “ناتو جديد”، محاولة ضم دول غربية أخرى لحلف الناتو، هستيريا التصعيد في جميع الملفات وعلى جميع المحاور والجبهات، كلها مؤشرات تدل على الرغبة بالحرب ليس لأنها تضمن المخرج اللائق لقوى العدوان، إنما لأن السياسة والعقوبات والحروب الناعمة باتت بلا أفق، ولأن الأطراف المستهدفة أسقطت عامل الوقت الذي راهنت عليه منظومة محور العدوان، بكتابة وصياغة معادلات قوة أنتجت أوضاعاً هي حسب التوصيف الأميركي: تخرج عن السيطرة في أكثر من موقع إقليمياً ودولياً.
لكل ما تقدم، مبرر للدوائر السياسية والأوساط الإعلامية المتابعة أن تتحدث عن احتمالات الحرب، وعن ترجيح وقوعها هذا الصيف، ويعتقد أن كل التقديرات تجتمع على ذلك وإن اختلفت أو أخطأت بتحديد ساعة الصفر لنشوبها.. الاشتباك سيقع، الحرب قادمة، سيقفل وقوعها حقبة الهيمنة والتفرد والاستفراد، وستفتتح مرحلة جديدة بمعادلات دولية مختلفة جذرياً، التحولات العالمية الجارية لن تبقى بلا أثر، بل ستطيح بالقطبية الأحادية، وهنا سيتبدد وهم التطبيع، وستتحول عقدة العقد الثامن بالكيان الإسرائيلي وقائع لا يمكن لقوة أن تمنعها أو أن تحتويها.