الثورة – السويداء – رفيق الكفيري:
برزت في الآونة الأخيرة مشكلة عوز المياه في محافظة السويداء كواحدة من أكبر المشكلات العويصة التي تظهر وكأنها قد أصبحت عصية على الحل، فالمحافظة من أفقر محافظات القطر بمصادر المياه الدائمة، والمصدر المائي الرئيس حالياً هو الآبار الارتوازية، ولكن تعطل العديد من الآبار في المدينة والريف أدى إلى عوز شديد في مياه الشرب وصل إلى حد لا يطاق. فالمواطنون قد سئموا من تبريرات تعطل المضخات الغاطسة في أكثر من بئر وصعوبة استبدالها وإصلاحها، أو انقطاع التيار الكهربائي وانخفاض الجهد وغيرها، أو نقص في مادة المحروقات اللازمة للتشغيل من الأسباب التي وضعها القيمون على العمل شماعة لتبرير هذا الأمر.
فالمعطيات تؤكد أن عوز المياه قد طال غالبية مدن وبلدان وبلدات وقرى ومزارع المحافظة، وهذا الأمر قد أوقع مواطني المحافظة تحت رحمة أصحاب الصهارج الخاصة الذين استغلوا حاجة المواطنين لتأمين احتياجاتهم من مياه الشرب، وتحكموا بالأسعار على هواهم حيث وصل سعر النقلة الواحدة من المياه إلى ثلاثين ألف ليرة سورية.
* توصيف الواقع المائي..
تشير الإحصائيات والدراسة الواردة من المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بالسويداء إلى أن عدد السكان الإجمالي بالمحافظة: 640000 نسمة، منهم 208000 نسمة في مدينة السويداء، و الاحتياج اليومي الإجمالي من مياه الشرب: 96000م3 ( على أساس حصة الفرد غير الصافية 150 ليتراً/اليوم) المصادر المائية الحالية هي الآبار، والبالغ عددها 285 بئراً، ومعظمها آبار جوفية على الحامل البازلتي الأول، وتتراوح أعماقها 350م (في القرى المتاخمة لمحافظة درعا )، وحتى عمق 725م غزارة الآبار بين 15- 30م3 /سا، مع بعض الاستثناءات المحدودة
يظهر من الناحية النظرية كفاية مصدر الآبار الحالي لتغطية الاحتياجات من مياه الشرب لسكان المحافظة على فرض أن غزارة البئر الوسطية 20م3 /سا، وعدد ساعات التشغيل 20 ساعة فيكون من الناحية النظرية كفاية مصدر الآبار الحالي لتغطية الاحتياجات من مياه الشرب لسكان المحافظة على فرض أن غزارة البئر الوسطية 20م3 /سا، وعدد ساعات التشغيل 20 ساعة فيكون الإجمالي النظري اليومي: 285×20×20= 114000م3 يومياً.
* الواقع ماذا يقول..
لكن من الناحية العملية الواقع مغاير لذلك تماماً لأن معظم مصادر المياه في المحافظة من الآبار هي مصادر نقطية أي مصدر بئر واحد أو أكثر للتجمع السكاني الواحد (حيث إن المشاريع المركزية التي تعتمد على تجمعات الآبار محدودة وهي: آبار محطة الثعلة – آبار صلاخد – آبار مثلث بكا – آبار خازمة وعددها الاجمالي 48 بئراً أي ما نسبته فقط 17% من الآبار العاملة) وهذا الأمر ينعكس سلباً لجملة من الأسباب، فإن تعطل البئر ( مصدر نقطي ) يؤدي إلى قطع المياه نهائياً عن التجمع السكاني المغذى، ويتم التعويض عن النقص بواسطة نقل المياه بالصهاريج مع ما يترتب عليه من نفقات عالية.
في حين أن تعطل بئر من مشروع مركزي يضم 20 بئراً ( مثال تجمع آبار محطة الثعلة ) يعني انخفاض إنتاج المياه بنسبة 5% فقط، ومن جهة ثانية لا يمكن الاستفادة من فائض الإنتاج من المياه والذي يزيد عن الاحتياج المائي للتجمع السكاني وخاصة التجمعات السكانية الصغيرة (دون 2500نسمة ). ويستثنى من ذلك الحالات المحدودة للربط الحلقي بين بعض المصادر، التوزع الجغرافي للآبار الجوفية ينحصر في المناطق التي يقل ارتفاعها عن 1200 م عن سطح البحر في حين تعتمد التجمعات السكانية التي يزيد ارتفاع مواقعها عن ذلك على السدود والآبار السطحية.
والأهم من ذلك ضعف مصادر الطاقة والمتمثل بوجود خط تغذية وحيد بالتيار الكهربائي للمحافظة 230 ك.ف مع ما يتعرض له من أعمال إرهابية وأعمال صيانة عدا عن ساعات التقنين الطويلة في الأعوام الماضية، وعدم انتظام التيار وتذبذبه، وانخفاض الجهد والذي يظهر جلياً في الأشهر الباردة من العام نظراً للضغط الكبير على الشبكة الكهربائية للتدفئة، وعدم وجود مجموعات توليد كافية للتعويض عن التيار الكهربائي ونقص المحروقات، وتظهر المقارنة بين كميات المياه المنتجة لأعوام 2016-2017 بين الفصل البارد أشهر (من تشرين الثاني وحتى نيسان) مع الفصل الحار لنفس العام أشهر (من أيار وحتى تشرين الأول) ازدياد كميات المياه المنتجة في الفصل الحار عن الفصل البارد بنسب تراوحت بين 20% إلى 30%.
يضاف لذلك مشاكل الصيانة للآبار العميقة، وذلك بسبب انخفاض الفولت بين لوحة التشغيل ومحرك المضخة الغاطسة والذي يصل 35 فولتاً للآبار بعمق 600م (كما دل على ذلك التجارب المشتركة بين المؤسسة وشركة كهرباء السويداء ) بسبب طول الكابلات، وعدم إمكانية زيادة مقاطعها ما يجعل عمل المحرك على الحالة الحدية، ويبدو ذلك واضحاً من سجلات الصيانة اذ إن تكرار تعطل المضخات الغاطسة للآبار بأعماق فوق 600م أكبر من تكرار تعطل الآبار الأقل عمقاً.
الآبار السطحية
أظهرت تجارب المؤسسة في استثمار الآبار السطحية منذ تسعينات القرن الماضي أنه لا يمكن اعتبار الآبار السطحية مصادر موثوقة لإقامة مشاريع المياه للتجمعات السكانية، حيث قامت المؤسسة بحفر العديد من الآبار السطحية ( قبل التوجه إلى حفر الآبار العميقة ) وخاصة في المناطق الشرقية من المحافظة لتأمين مياه الشرب للقرى الواقعة في المناطق الجبلية، وقد جفت معظم هذه الآبار مع مرور الوقت خاصةً في السنوات الأخيرة مع تراجع الهاطل المطري. ومن الأمثلة الهامة على ذلك جفاف آبار قيصما في منطقة صلخد وعددها /5 / آبار، وكذلك آبار المشنف – عرى.
* السدود..
يمكن لمحطات التصفية المشادة على السدود بالمحافظة إنتاج كمية 21000 م3 / اليوم، وذلك في حال توفر تخازين كافية في السدود، وهو ما يشكل نسبة 22% فقط من الاحتياج اليومي لسكان المحافظة في الوقت الحالي، ومع هذا فإنها تشكل مصدراً هاماً لتأمين مياه الشرب، خاصةً للمناطق التي يتعذر فيها حفر الآبار العميقة والتي يزيد منسوبها عن 1200 م عن سطح البحر، ويتبين من الهطولات السنوية منذ عام 1990 وتخازين السدود المقابلة لها ( دون سد الزلف في البادية ) هبوط حاد في كميات الهطولات المطرية السنوية في السنوات الست الأخيرة ( 2013 وحتى 2018 )، تراجع لقيم التخازين الكبيرة منذ بداية العقد الحالي مقارنة مع العقد الماضي، لا توجد علاقة مباشرة ( طردية ) بين كمية الهطول السنوي والواردات السنوية للسدود إذ إن عوامل أخرى عديدة لها تأثيرها الهام أهمها:
– التوزع الشهري للهطول، إذ إن الهطولات في نهاية الموسم المطري تؤدي إلى واردات أكبر من تلك التي تحدث في بداية الموسم المطري بسبب وصول التربة إلى حالة الإشباع.
– التغيرات بدرجات الحرارة أثناء الفصل الماطر من عام لآخر.
– النشاط البشري في الحوض الصباب للأودية المؤدية إلى السدود كاستخدام مياه الأقنية والوديان لأعمال الري وخاصةً في السنوات الجافة..
* إجراءات للحد من عوز المياه..
أمام هذا الواقع أشار مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب في السويداء المهندس “أمين غزاله” إلى أن معظم التجمعات السكانية في المحافظة تعتمد في تغذيتها المائية على بئر ارتوازية واحدة، وتعطلها يتسبب بأزمة مياه، ما يضطر المؤسسة لتأمين المياه لهذه القرى عن طريق الصهاريج، فالتجمعات التي تتغذى من أكثر من بئر محدودة جداً، وتتركز لدى تجمع ” آبار الثعلة وبكا وخازمة” وهي لا يتجاوز عددها ٤٨ بئراً، أي ما يعادل 17% من نسبة الآبار الموجودة في المحافظة، يضاف إلى ما ذكر أن توزع الآبار الجوفية المخصصة لمياه الشرب ينحصر في المناطق التي يقل ارتفاعها عن 1200 م، في حين تتم تغذية القرى والبلدات التي يزيد ارتفاعها على ١٢٠٠ متر من السدود، والتي تنخفض مناسيبها كثيراً في فصل الصيف، والمسألة المهمة هي عدم توافر مصادر بديلة للطاقة الكهربائية، حيث تتم تغذية الآبار بالتيار الكهربائي من خط تغذية وحيد استطاعته 230 ك.ف، والذي تكثر عليه أعمال الصيانة، إضافة لعدم انتظام التيار وتذبذبه وانخفاض الجهد، والذي يظهر جلياً في الأشهر الباردة من العام نظراً للضغط الكبير على الشبكة الكهربائية للتدفئة، وعدم وجود مجموعات توليد كافية للتعويض عن التيار الكهربائي، ونقص المحروقات.
ونوَّه مدير عام المؤسسة إلى أنه بهدف تحسين واقع المياه على ساحة المحافظة قامت المؤسسة بتجهيز وإصلاح عدد من الآبار الارتوازية المخصصة لمياه الشرب، وتالياً وضعها في الاستثمار، وذلك في كلٍ من ” كناكر- خلخلة- شقا- دوما- المجمير”، إضافة لذلك فقد تم تأمين التغذية الكهربائية لبئري شهبا١ وشهبا ٢ من الشركة العامة لمؤسسة كهرباء السويداء بغية ضمان استمرارية ضخ المياه، مضيفاً: إن المؤسسة قامت باستلام /15/ مضخة غاطسة مقدمة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث سيتم تركيب هذه المضخات في المواقع التي تعاني شحاً في المياه، وحسب الأولوية والحاجة الضرورية لها، ولفت غزالة إلى أن المؤسسة تعمل على تنفيذ عدة مشروعات في قرى وبلدات ومدن المحافظة، ومن هذه المشروعات تنفيذ خط رئيسي لربط تجمع آبار العليقة مع صلخد حيث بلغت نسبة التنفيذ 70%، إضافة لإحداث محطة ضخ في تجمع آبار العليقة مع تأمين التغذية الكهربائية لها، وإحداث محطة ضخ أخرى في موقع بئر الجرماني بمدينة السويداء، والعمل على إصلاح وصيانة 75 مضخة غاطسة معطلة ليصار إلى تركيبها على الآبار التي خرجت من الاستثمار من جراء تعطل مضخاتها الغاطسة.
يشار إلى أن الموازنة الاستثمارية للمؤسسة لهذا العام تبلغ 5.515 مليارات ليرة حيث وصل إنفاق المؤسسة منذ بداية العام إلى نحو أربعة مليارات ليرة.