طرحت كوندا ليزا رايس وزيرة خارجية بوش، مصطلح الشرق الأوسط الجديد، استهجنه البعض لكنها تبنّت تنفيذه بالفوضى الخلاقة التي تُفَتِّتُ وتُقَسِّمُ المجتمعات، أملها تقسيم أقطار الوطن العربي أشلاءً بوحي خارطة استهوت حينها رايس رسمها الجنرال المتقاعد الأميركي رالف بيتر.
نشر رالف خارطته كفكرة راودته، ضمّنها في المجلة العسكرية Armed forces journal، لكنها لم تنل اهتمام السياسيين لأنها رؤية خاصة. روجت رايس لها بحجة أنه عند تقسيم الشعب العربي في أقطاره طائفياً واثنياً وعرقياً، في دول مستقلة حسب فكرها التخريبي، سينتهي العنف.
قدم رالف تقريره المرفق برؤيته الجهنمية، فحواه أن ذلك التقسيم يوقف إراقة الدم، معنوناً تقريره بـ (حدود الدم) مشيراً إلى خطأ ارتكبته أميركا عند احتلالها العراق؛ أنها لم تقسمه دويلات. فرأيه أن بقاء الطوائف دون تقسيمها كيانات مستقلة، هو السبب في عدم استقرار العراق للآن.
تبريرٌ؛ زعاف السم ينضح منه، رغم طليه ببريق الاستقرار.. فما وراء الأكمة واضح لمن له عينان وعقل مفكر، خارطة تمنح الكيان الصهيوني مساحة إشهار الدولة اليهودية؛ التي تسعى لها لإذابة أجناسهم المختلفة وأصولهم المتفرقة، في بوتقة حلم صهيوني يَسُنُّ قانون يهودية الدولة.
تبني رايس تنفيذ الفكرة ما كان حماقة منها، بل اعتبرته مشروعاً خططت له وهَبَّتْ لإنجاحه بعد سقوط العراق واحتلالها. لنزع هوية الوطن العربي القومية العروبية، تحقيقاً للمصالح الصهيو أميركية الاستعمارية.. على أنه استكمال لما بعد سايكس بيكو.. بداية الشؤم على الأمة العربية.
المخطط أهم أهدافه منح الكيان الصهيوني مركزية تحريك المنطقة العربية.. وجني مصالح كبرى، ما كان يمكن تحقيقها إلا من خلال تلك الخارطة الجهنمية.. والأساس فيها حفظ أمن الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. الذي لا ينجز إلا بتقسيم وتفتيت ما يدعونه (دول الطوق).
أعلنت رايس حينها أن حل أزمات المنطقة لا يكون إلا عبر ذلك المخطط، الذي هو بحقيقته قنبلة نووية تبعثر المنطقة وشعبها، أشبه بما كان في هيروشيما، لكن باسم جديد دعوه الربيع العربي. كان المخطط هدية رايس للكيان الصهيوني، بالذكرى الـ 70 لقيام ما يدعى الكيان الإسرائيلي.
حينها أقر الكنيست قانون ما يسمى “يهودية الدولة” بنصه (إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي وإن حق تقرير المصير فيها يخص الشعب اليهودي فقط). متجاهلين حق الفلسطينيين أصحاب الأرض الطبيعيين وقرارات الأمم المتحدة، على أن تُعينُهُمْ أميركا على تحقيق ذاك المأرب الحلم.
نُعِتت حينها رايس؛ بأنها رائدة الدبلوماسية الديمقراطية في العالم، التي يمكنها تحقيق هدفها بإنشاء دويلات الشرق الأوسط الجديد، عبر نشرها الفوضى الخلاقة.. وحجتها أن الدول العربية تقع تحت حكومات ديكتاتورية. وأنها (رايس) هي من سيأخذ بهذه الدول وشعبها إلى الديمقراطية.
طريق رايس للديمقراطية؛ لا يتحقق إلا بالوصول للذروة، من خلال نشر الفوضى الخلاقة، متمثلة بالعنف وبث الرعب وسفك الكثير من الدماء، لإنجاز نفوذ دويلات بهوياتٍ جديدة. هذا ما حققته في ليبيا والعراق واليمن، لكنه استعصى عليها في سورية بسبب بسالة مقاومة السوريين.
تحالف سورية مع روسيا كان ضربة أفشلت مشروع السياسة الأميركية فيها. أما المعضلة التي لم يتمكنوا من تفسيرها، كيف يمكن للرئيس الأسد أن يدير دولة باقتصاد متدهور.. صعقةٌ طيّرت صواب المرأة السوداء، ناسين أن سورية أسطورة التاريخ العميق، والحاضر القوي والمستقبل الأبدي.