الثورة – تحليل – لميس عودة
عندما سعت واشنطن لتأجيج الحرب الأوكرانية وأغلقت أبواب الحلول الدبلوماسية، كانت تدرك بأنها تدفع بالقارة العجوز إلى مهاوي عوز الطاقة وشح الموارد، وعندما تدعو إلى زيادة العقوبات الجائرة عل موسكو فإنها تعي أنها بذلك تجر أوروبا إلى مصيدتها و تقطع شرايين اقتصادات دولها، وتفاقم أزمة النفط والغاز والكهرباء والصناعة وحتى إمدادات الحبوب.
أوروبا التي لطالما أذعنت للمشيئة الأميركية على حساب أمنها وسلام شعوبها، باتت تتأرجح اليوم على حدي سكين العوز المتنامي لمصادر الطاقة وشح وخطورة البدائل المتوافرة، فالذعر والخشية من شتاء قارس بات يؤرق ساستها ومواطنيها، وتغوص بالبحث عن بدائل تردم فجوة النقص الحاد المتسعة في موارد الطاقة نتيجة حماقة سياسات قادتها، تتمثل بالفحم الأكثر تلويثاً وضررا للبيئة، واعتبره الكثير من خبراء البيئة مجازفة بصحة وسلامة الأوروبيين وانتحار بيئي تداعياته خطيرة.
فتداعيات وانعكاسات الحرب التي تسعرها واشنطن لضرب اقتصاد أوروبا وشل صناعة دولها المنافسة لشركاتها ومصانعها كثيرة نذكر منها:
١- أزمة لاجئين، حيث أدى تدفق ملايين من اللاجئين الأوكرانيين إلى الاتحاد الأوروبي إلى وضع دول الاتحاد في موقف حرج نظرا لاحتياجات متزايدة عليها توفيرها بدأت تضغط على ميزانيات هذه الدول، فغالبا ما يعتمد اللاجئون الذين يستقرون في بلد جديد على شبكة الأمان الاجتماعي لذلك البلد.
٢- أزمة غذاء، حيث إن الاعتماد الأوروبي على الحبوب من موسكو التي يجري تقييد إمداداتها بقيود العقوبات واللعب الأوكراني على حبال تزويد الدول الأوروبية بالحبوب، فتح بوابات العوز الغذائي على مصراعيها وتراجع الأمن الغذائي العالمي.
3- تهديد أمن الطاقة: تعد روسيا أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، وثاني أكبر مورد للنفط الخام وثالث أكبر مصدر للفحم. ويذهب ثلاثة أرباع غازها وحوالي نصف نفطها الخام إلى أوروبا، وتسبب الطلب المتزايد على مصادر الطاقة غير الروسية في ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
فقد رفعت الحرب وتداعيات اضطرابات الإمدادات الروسية أسعار الغاز الطبيعي والمشتقات البترولية إلى مستويات غير مسبوقة، وساهمت بشكل مباشر في ارتفاع معدل التضخم .
4- ارتفاع الأسعار: أحدثت أزمة الغذاء والطاقة تغييراً كبيراً في حياة الأوروبيين على وجه الخصوص فقد ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ وارتفعت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا هائلاً.
وقد أوضح عالم الاقتصاد الروسي فالنتين كاتاسونوف غايات الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة في أوكرانيا على أوروبا بأنها بالحقيقة حرب ضد ألمانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام، بهدف التخلص من منافس في العالم القديم وأخذ مكانه.
و لخّص كاتاسونوف حرب العقوبات ضد روسيا بأن واشنطن تخطط للحرب، وتفرض عقوبات “جهنميّة” على موسكو، ويعهد بتنفيذ العقوبات المبتكرة إلى بروكسل، التي تنقل الأوامر الأمريكية إلى 27 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي.
ولكن كلما زادت ضغوط واشنطن على بروكسل زادت الانقسامات داخل هيكل الاتحاد الأوروبي، ويتوقع بعض الخبراء أن فرص إنقاذ الاتحاد الأوروبي استنفدت، وقد تؤدي انتهازية بروكسل وبرلين وباريس إلى انهيار الاتحاد الأوروبي. وتدرك كل من برلين وباريس أنه سيكون عليهما دفع ثمن الضرر الناجم عن تأثير ارتداد حرب العقوبات.
من الحبوب إلى اليورانيوم عماد تشغيل الصناعات الثقيلة في أوروبا إلى مادة التيتانيوم أساس تصنيع طائرات “ايرباص” الأوروبية الذي ناشد مديرها التنفيذي الاتحاد الأوروبي بعدم حظر استيرادها من روسيا، إلى الكهرباء والنفط والغاز عصب حياة الأوروبيين، والقائمة تطول وتظهر سلسلة الاعتماد الأوروبي الكبير على الموارد الروسية، من هنا تتضح الغايات الأميركية المنشودة بشل اقتصادات أوروبا وانهيار صناعاتها.
