يتصاعد الحديث عن عزم الولايات المتحدة إقامة تحالف أمني يضم عدداً من الدول العربية وكيان الاحتلال الإسرائيلي خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة منتصف الشهر القادم يهدف إلى (اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط ومواجهة التهديد الإيراني) وهو أشبه بتحالف (أوكوس) بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا لمواجهة التمدد الصيني في المحيط الهادي والعالم.
أولى التسريبات عن هذا التحالف جاءت على لسان رئيس وزراء كيان العدو الإسرائيلي نفتالي بينيت بعد الإعلان الأميركي عن موعد زيارة بايدن بين 13 و16 الشهر القادم وبهذا التسريب تكون إسرائيل قد حددت سياق وإطار محادثات بايدن التي من المتوقع أن تشمل توريدات الطاقة ودور الدول المنتجة في المنطقة للغاز والنفط في تعويض موارد الطاقة الروسية المسالة إلى أوروبا وذلك في ظل مساعي الولايات المتحدة للإضرار بالاقتصاد الروسي بعد أن فشلت العقوبات الغربية في تحقيق في هذا الهدف بالشكل الذي كانت تتمناه الدول الغربية.
قبل التسريبات الإسرائيلية عن هذا التحالف الأمني والعسكري نشرت عدداً من وسائل الإعلام الإسرائيلية والأردنية تقارير عن التمدد والتوسع الإيراني المزعوم في جنوب غرب سورية مبررة سياقها هذا بحجة انشغال روسيا الاتحادية في الأزمة الأوكرانية، وحقيقة الأمر أن الوقائع على الأرض في جنوب سورية مجافية لهذه الحجة، حيث لاتزال القوات الروسية موجودة بقوامها المعروف هناك لمساعدة الجيش العربي السوري في تعزيز الأمن والاستقرار حيث يحاول رعاة الإرهاب ومنهم كيان الاحتلال الإسرائيلي زعزعته عبر تأمين الدعم لفلول الإرهابيين وخلاياهم النائمة.
في ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما اشتغلت واشنطن على إقامة حلف (ناتو عربي) وانتهى الأمر بتشكيل تحالف لمواجهة ما أسموه آنذاك بالتمدد الإيراني في اليمن، واشتعلت الحرب في هذا البلد وما زالت قائمة حتى الآن وحقائق الأمور على الأرض تؤكد أن ما سعى إليه هذا التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية حصل على عكسه تماماً حيث أخفق هذا التحالف في فرض سيطرته على اليمن وإقامة حكومة شرعية فيه كما كان يقول، فيما القوة المناوئة له ازدادت قوتها على حساب الحلفاء اليمنيين للتحالف السعودي.
يرجح عدد من السياسيين الغربيين سعي الولايات المتحدة في هذه الفترة لإقامة تحالف أمني عسكري بين إسرائيل وعدد من دول المنطقة لأمرين أساسيين:
الأول: محاولة إرضاء إسرائيل وتطمينها وتعويضها سياسياً عن مضي إدارة ترامب بتوقيع الاتفاق النووي حول إيران وهو ما يقلل من شأنه بعض المراقبين الذين يرون أن التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني أصبح من الماضي وأن الدلال الأميركي لكيان الاحتلال الإسرائيلي لا يرتبط بأي ملفات أخرى وهو خيار أميركي ثابت لدى كل الإدارات الأميركية.
والثاني: تحضير هذا التحالف الأمني ليكون نواة لحرب جديدة في المنطقة ضد إيران في حال ردت طهران على أي عدوان إسرائيلي أميركي على المنشآت النووية الإيرانية وهو ما يرجحه المحللون الإسرائيليون الذي يعولون على دور الدول الخليجية في مواجهة إيران وتدمير برنامجها النووي وهذا لا يتفق من حيث المنطق مع انشغال حلف شمال الأطلسي في استنزاف روسيا في أوكرانيا حيث يكون من الصعب على واشنطن الدخول في معركة جديدة في الوقت الذي ما زالت تخسر فيه على الأرض الأوكرانية.
إن إشعال أي حرب ضد إيران وتورط الدول الخليجية فيها ستحول المنطقة إلى ساحة معركة طاحنة سيكون المتضرر الأكبر فيها الدول العربية والأمن القومي العربي ولذلك يتوجب على أصحاب الرؤوس الحامية من العرب وخاصة أولئك المرحبين بمثل هذه التحالفات الخطيرة أن يأخذوا في الحسبان كل التداعيات الخطيرة المترتبة على مثل هذه التحالفات بعيداً عن مفاتنها التي قد تدمر المفتونين بها حين تقع الواقعة قبل غيرهم.
يتفق غالبية صناع القرار في العالم أن الجهة الوحيدة التي تسعى للحرب على إيران وإدامة حالة عدم الاستقرار في المنطقة ومنع توقيع الاتفاق النووي هي كيان الاحتلال الإسرائيلي، وهم يتوجسون من أن يقوم العدو الإسرائيلي بمغامرة من هذا القبيل في حال لم تستجيب واشنطن لرغباته وابتزازاته وهو ما سيلبيه بايدن حسب بينت الذي أكد أن التفاهمات مع واشنطن(ستلبي) تعزيز الأمن والتعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل بطريقة ستقود التحالف بين البلدين إلى آفاق جديدة”.
لا تخفي عدداً من الدول العربية وخاصة في الخليج العربي موقفها المناوئ للسياسة الإيرانية، ولكن هذا غير كاف بالنسبة لها للاشتراك في حرب مع إسرائيل ضد إيران ومن هنا يمكن اعتبار مثل هذه التحالفات خطوات سياسية إلى أن تنجلي الأمور حول الأزمة الأوكرانية والصراع الحامي الوطيس بين الدول الساعية إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب وبين الدول الغربية الرافضة لهذا التوجه وتستميت للحفاظ على عالم القطب الأوحد الأميركي.