ما الذي يدفع العديد من شباب هذه الأيام باتجاه الإدمان على المخدرات ..؟
سؤال تدفعنا إليه آخر معطيات مستشفى ابن رشد للأمراض النفسية التي تشير إلى ازدياد حالات الإدمان بمختلف أشكاله بين معظم الفئات العمرية ولاسيما فئة الشباب وعلى مستوى الجنسين وخاصة خلال سنوات الحرب.
والذي يبدو أخطر من ذلك هو تفشّي حالة الإدمان هذه بين المراهقين، حيث رصدت إدارة المستشفى قيام الكثير من الأهالي بمراجعة ( ابن رشد ) للاستفسار عن بعض المظاهر والحالات التي صاروا يلاحظونها على أبنائهم المراهقين، وهي مظاهر تنذر بالإدمان فعلياً .. أو هي كذلك ..!
طبعاً إدارة المشفى تسعى بكلّ ما في وسعها لمعالجة هذه الحالات كيميائياً – عبر الأدوية المخصصة لمثل هذه الحالات – وفيزيائياً، فالعلاج الفيزيائي يساعد مرضى الإدمان خلال فترة العلاج ويخفف الآلام، ويعينهم على تحمّل أعراضه القاسية، ويمكنهم من قضاء فترة العلاج براحة تامة.
والأدوية بقيت متوفرة في المشفى وإن تذبذبت بين النقص والكفاية غير أنها لم تنقطع، والواقع فإن انقطاع الأدوية عن المشفى يعني إصابته بالشلل وتحويله إلى مجرد بناء لا يُقدّم ولا يؤخّر.
إذن تلك هي مشكلة الإدمان، إنْ انقطعت الأدوية وتوقف العلاج، فوقتها سيتفشّى بشكل مخيف ويُخرجه عن السيطرة، ولكن إن كانت الأدوية موجودة وطرق العلاج مستمرة يبقى الأمل كبيراً بالتعافي، رغم أن الأفضل طبعاً هو إقلاع المدمنين عن التعاطي من البداية .. ولكن ما داموا لا يُقلعون فلابدّ من العلاج.
إن كانت معالجة الإدمان هكذا تبدو سهلة بتوفّر الأدوية والوسائل، فلماذا يا ترى لا نسعى لإيجاد العلاج اللازم والممكن لحالتي الإدمان على الفقر والفساد اللتين وصلتا إلى مرحلة التفشّي والانتشار وربما فقدان السيطرة ..؟! ففي كلّ يوم يزداد المختصون في إفقار الناس ويذهبون في إفقارهم إلى أبعد مدى وصولاً إلى حالة إدمانٍ باتت واضحة، حيث لا تأخذهم في الباطل لومة لائم، يتلاعبون ويرفعون الأسعار ويهرّبون .. ويقيمون سوقاً سوداء هنا وأخرى هناك، ويمتهنون الغش ببراعة المدمن رغم تشديد العقوبات ومخاطر ما يفعلوه.
وفي كلّ يوم يزداد الفاسدون إبداعاً إلى حدود الإدمان عليه، فتتيسّر أمورهم بسلاسة، ويتقدمون بلا عوائق، خطوة وراء خطوة، وشوطاً وراء شوط، مسجلين نجاحات باهرة.
إن سلّمنا بأن هؤلاء الفاسدين وأولئك الساعين لإفقار الناس، قد تجاوزوا حدود الإدمان ووصلوا إلى حالة الانتشار والتفشّي وفقدان السيطرة، ولم يعد بالإمكان استخدام الأدوية ووسائل العلاج معهم، فهذا لا يجوز أن يعني تبريراً لهم، وترك حبلهم على الغارب، فالمشكلة هي أن إدمانهم على الفساد وعلى إفقار الناس له ارتدادات كبرى على إدمان الشباب الذين يقصدون ابن رشد، فنحن أمام إدمانٍ يقف بقوة وراء ذاك الإدمان، لأن الفقر والفساد لهما دور كبير في ملعب نخر العقول، ولذلك لا بد من ابن رشدٍ آخر بأدوية ووسائل متطورة لمعالجة القادمين الجدد على الأقل، وتتضمن أجهزة قصٍّ وبتر، لأن العلاجَين الفيزيائي والكيميائي لا ينفعان عند الانتشار شيئاً.