الملحق الثقافي- عبد السلام العلي:
– كتاب جديد لمؤلفه الكاتب والصحفي العراقي محمد شريف أبو ميسم، صادر عن دار تموز ديموزي للنشر- السورية 2022م
ثلاثة عناوين لكتاب واحد وهي بمثابة رسائل لكشف المستور والمغيّب في حالة الوعي الجمعي العربي والعراقي وخاصة من خلال “نظرية الصدمة”
التي جاء بها “ميلتون فريدمان” بهدف الوصول إلى حافة اليأس والقبول بالحلول المعدة سلفاً، و”الفوضى الخلاقة” وإدخال العقل العراقي في غيبوبة الوعي، تمهيداً لعراق على مقاسات الإدارة الأميركية.
يشتمل الكتاب على مقدمة وستة أجزاء مبوبة بثلاثة فصول لكل جزء وخاتمة، ضمن (473) صفحة قطع كبير.
في ظل مشهد إعادة إنتاج “نظرية التوسع والهيمنة” عبر أدوات العولمة الثقافية والاقتصادية، وبهدف تشكيل النظام العالمي الجديد بعد نهاية الصراع بين الشيوعية والرأسمالية فيما سمي الحرب الباردة.
ومع تجدد وتائر التصدي لأساليب التخطيط في مشاريع الهيمنة التي تقام على حساب مصالح الغير، ظهرت الحاجة لتسفيه وتسطيح أي محاولة لإشاعة الوعي، ليكون المنهج العقلي المعتمد على تحليل المعطيات والوقائع محط سخرية العوام وأنصاف المثقفين الذين يعيدون اجترار ما أنتجته المؤسسات القائمة على مشروع نظام العالم الجديد الذي تقوده الليبرالية الجديدة، كلما اقترب العقل من فضح الأساليب والأدوات المعتمدة في تطبيقات التخطيط الاستراتيجي الرامية إلى الهيمنة على الشعوب والأمم.
وهكذا ألبست أي محاولة لقراءة أساليب التخطيط الرامية إلى الغلبة والتصدي لها، تهمة اجترار “نظرية المؤامرة”، وصار من الأهمية في نظر السفهاء وأنصاف المثقفين أن يترك للمنتصرين إدارة شؤون المهزومين في إطار عملية التغيير الكونية التي تديرها الشركات التي تحكم العالم والرساميل العالمية التي تحتكم عليها بضع عوائل مهووسة بالسادية وبرغبة الهيمنة على العالم، ليكون المصابون بغيبوبة الوعي في صدارة المتصدين للمنهج العقلي المتهم بعقدة “نظرية المؤامرة” التي باتت تهمة يخشاها العقل الطارئ على الثقافة، وبالتالي صار اجترار شعار “نظرية المؤامرة” على لافتات الوعي الجمعي ومسامعه، وظيفة يمارسها المصابون بالجهل لصالح الماسكين بأدوات الهيمنة، حتى يكون الوعي الجمعي أسيراً للتغيير وغير قادر على قيادته.
من هذا المنطلق الذي تم اعتماده، تحت مظلة الصدمة التي واجهها الشعب العراقي خلال خمسة عشر عاماً.
كانت التعمية على مجريات صناعة الأحداث باتجاه التأسيس لأهدافها هي السمة الغالبة، التي جرّت البلاد إلى واقع كان يؤسس لولادة “عراق أميركي” بامتياز.
تقول نظرية الصدمة: عندما يعجز الإنسان عن فهم وإدراك ما يدور من حوله يكون مستعداً لقبول حلول خارجية جاهزة كان من المستحيل أن يقبل بها سابقاً، وهذا ما حصل في بلدنا على مدار سنوات الفوضى الخلاقة التي صنعتها لنا المؤسسة التي تقف خلف مشروع الشرق الأوسط الكبير.
لماذا جاءت الولايات المتحدة إلى العراق؟
الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى عرض تفصيلي بشأن سر الهيمنة الأميركية على العالم، وإحاطة بشأن شركات العولمة التي تحكم العالم وآلية تحرك الاقتصاد العالمي بموجب عمل النظام المالي العالمي، وتعريف لاقتصاد المعرفة وعولمة الإنتاج والأسواق والكشف عن أسرار التبشير بأهداف الليبرالية الجديدة، ومن ثم الحديث عن مشروع الشرق الأوسط الكبير قبل التأمل في سلسلة الأحداث التي شهدتها بلدان الشرق الأوسط وتحديداً دول ما سمي “الربيع العربي” على ضوء الاحتلال الأميركي لبلادنا ومحاولة البحث في سلسلة الأحداث التي شهدتها بلادنا والتي كانت وما زالت مترابطة وتتحرك في سياقات الفوضى التي رسمتها المؤسسة القائمة على مشروع الشرق الأوسط الكبير.
ويتساءل الكاتب محمد شريف: ما الذي كان يمكن أن نفعله نحن كعراقيين بوصفنا بلداً خارج المنظومة المعرفية العالمية أمام واقع الهيمنة المعرفية المتعاظم وأمام حقيقة الفجوة المعرفية الرهيبة ونحن نقع تحت سطوة الرساميل العالمية التي تقود اقتصاد المعرفة؟
أهداف ونتائج الفوضى: تسقيط الإسلام السياسي
كان من البديهي أن تؤسس الولايات المتحدة “التي خصصت في أجندتها إنفاق مليارات الدولارات على مشروعها في العراق وأقامت أكبر سفارة في الشرق الأوسط” لوجود أحزاب منسجمة مع توجهاتها.
نتائج الفوضى وطرح الدولة للاكتتاب: نمو “الكومبرادورية”
الكومبرادورية مصطلح سياسي اقتصادي كثر استخدامه للإشارة إلى الطبقات الطفيلية الانتهازية التي تنمو وتتكاثر في مراحل التكيف التي تشهدها المجتمعات خلال فترة التحول من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق مستغلة الانفلات وارتباك المنظومة القانونية فضلاً عن ضعف السلطات التنفيذية في بعض الدول التي تشهد التحول على أثر تغيير شامل في منظومة الحكم.
بلورة شكل العراق الأميركي وتسطيح الوعي الجمعي
بموازاة كل ذلك كان العمل على تسطيح الوعي، هدفاً أساسياً من أهداف استراتيجية التأسيس للعراق الأميركي، بمعنى إن كل ما تعرضت له البلاد من فتن واختلالات أمنية وتردٍ في إدارة مفاصل الاقتصاد والبنية التحتية كان نتيجة لقصدية، في وقت كانت فيه أدوات العولمة الثقافية تضخ التفاهات في ساحة التداول الثقافي والإعلامي، اعتماداً على عناصر الإدهاش البصري والسمعي عبر نوافذ القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن دور المبشرين بنعيم الليبرالية الجديدة عبر مؤلفاتهم وندواتهم الممولة من جهات مجهولة في الأوساط الثقافية والفكرية.
ملامح نهاية الصراع وبداية ظهور المصالحة
لم يكن قطاف النصر الذي حققه العراقيون في العام 2017 محض هزيمة للإرهابيين على أرض بلاد ما بين النهرين وحسب، بل تنوع هذا القطاف بطعومه ونكهاته ليكون العام 2017 وبامتياز عاماً لإعادة هيبة الدولة العراقية، بعد سنوات تعثرت فيها الخطى من كثرة المعوقات، إذ عاد العراق رغم جراحه يلف نطاق الثقة على خصره بالجيش والأجهزة الأمنية المنتصرة كما كان “ميزوبوتوميا” تاجاً على خوذة التاريخ وعلامة فارقة في جسد الجغرافيا.
مــا الحــل ؟
بناء على ما تقدم في هذا الكتاب، يمكن تثبيت الآتي:
1-إن “العراق الأميركي” أعد ليكون ملكاً صرفاً لرعاة البقر بما ينسجم مع المشروع الصهيوني في المنطقة، ومنطلقاً لمشروع الشرق الأوسط الكبير، فضلاً عن اعتماده نموذجاً تنطلق منه الليبرالية برداء جديد إلى العالم بوصفها فكراً متجدداً، بما يمهد لشيوع سلطة رأس المال في المنطقة والعالم، ومن ثم إعادة انتاج العبودية بشكل حداثي بدعوى نهاية التاريخ السياسي من منطلق انتصار الحريات الفردية أو ما يسمى الفردانية، بعد ما قيل عن افلاس الديمقراطية الاجتماعية التي يعبر عنها بالبنائية بحسب الليبراليين الجدد، وعدم استقرارها بحسب “ فرانسيس فوكوياما”، أو من منطلق التغيير بوصفه الثابت الوحيد.
2-إن مراحل الاعداد والتأسيس “للعراق الأميركي الصهيوني” كانت تسير بخطوات محسوبة، بدعم مالي ولوجستي من امبراطوريات مال تحتكر اقتصاد المعرفة وتتحكم بالنظام المالي العالمي والتجارة العالمية.
3-إذا ما أسقطنا الحل القائم على الارتقاء بالوعي الجمعي وتوحيد الشعب على كلمة واحدة في إطار تيار وطني عقائدي، بوصفه حلاً غير واقعي على المدى القريب، لا ينبغي على المؤمنين بما عرضناه في هذا الكتاب أن يهملوا هذا الحل على المدى البعيد، إزاء الحاجة الآنية للعمل باتجاه زيادة الضغط الشعبي على القوى السياسية، للتقليل من مخاطر الهيمنة عبر الآتي:
– نشر الوعي بين القوى السياسية
– العمل بنظام اقتصاد سوق اجتماعي
– تعديل قانون شركة النفط الوطنية
– العمل بالاستراتيجية الوطنية للطاقة
– إعادة النظر بالقوانين والاتفاقيات التي تم إقرارها
– خلق علاقات متكافئة مع شركات العولمة وأذنابها
– الخلاص في اقتصاد الناس
– التمسك بالخصوصية المجتمعية والسيطرة على الشباب
– بلورة قوى سياسية جديدة تعي حجم المشروع وتطالب بحقوق العراقيين
وختم الكاتب “أبو ميسم”:
كان من واجبي عرض المشهد وتداعياته ومآلاته ومحاولة استشرافه وفق رؤية تحليلية واقعية، ليس بهدف صناعة اليأس والإحباط لدى الأجيال القادمة كما قد يتوهم البعض ممن تربوا على الشعاراتية الفارغة التي أدت إلى هزيمة الإنسان العربي على مدار قرن ونيف، بل لتسهيل مهمة التحليل وإيضاح ملامح الأهداف الأميركية للشباب العراقي المحب لبلده عبر الأجيال.
يشاركني الأمل شاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري في مقولته الخالدة (سيخرج من صميم اليأس جيل، شديد البأس جبار عنيد)، ليتولى إعادة الهوية العراقية لهذا البلد بعقلانية وذكاء، إذ إن الأصل في هزيمة قوة العلم وسطوته نجدها في العلم والعمل وليس سواهما.
العدد 1102 – 5-7-2022