الملحق الثقافي:
الأخت الغالية سلمى… مدريد في 26/11/1963
تتحدثين في رسالتك عن اللؤلؤ والحلى.. والندى والعطور. ليت أصابعي تستطيع أن تصنع حبة واحدة من اللؤلؤ.. إذن لبعتها واشتريت بثمنها ورقاً وحبراً وكتباً وتبغاً للبايب.
قلبي هو اللؤلؤة الوحيدة التي لم يحلم بمثلها بحر. هو دواة اللحم والدم التي أغط بها أناملي وأبحر كل مساء على موجها الأحمر.
هذه هي مملكتي.. ورقة بيضاء أحفر لحمها بأظافري.. ومنفضة سجائر يختلط رمادها برمادي.. وقطيع من حروف سوداء، تطير في سماء دفتري.. كفوج من السنونو لا وطن له. لا أؤمن بخبز سوى هذا الخبز المصنوع من سنابل الكلمات. ولا أؤمن بنبيذ جيد سوى هذا النبيذ المعتق في محابرنا.
الكلمة هي الرب الوحيد الذي يستحق أن نمنحه زيتنا وشموعنا. هي النافذة الأخيرة التي بقيت لنا على السفينة التي تقطعت حبالها ومات ربانها. لا نجاة إلا في الحرف وبالحرف.
وأنا شخصياً أعتقد أن كل ما أمارسه في هذه الحياة – باستثناء مصيري الورقي- هو أعمال جانبية، أمد لها يدي بلا مبالاة كما أمدها لسيدة عجوز – من المركيزات- أتعرف عليها في حفلة كوكتيل.
رسالتك الأخيرة كانت من نوع السينماسكوب، بثلاثة أبعاد، وقد خرجت بهذه الرسالة بنتيجة واحدة، وهي أنك.
«شاطرة» بكل شيء ابتداء من الصيادية، إلى زرع مليون شجرة في بيت بلودان.. غلى تعزيل البيتين الكبيرين… إلى زيارة أغصان عائلتي القباني والقدسي وجذورهما وشروشهما.. إلى كتابة الرسائل إلى كل المدن الإسبانية من بيلباد إلى ارانخويس.
أما الأخ نادر فكسله دولي، إنني أتصوره وقد لبس (ألشين صوف) ووضع راديو الزينيت على حضنه، وراح يصطاد محطات الإذاعة، مكتفياً بكتابة الهوامش على رسائلك أنت .. كما يفعل الباب العالي.
على ذكر رسائلك التقيت بالسيدة «لايغاسيلا» (أنا دخيل جميع الكنائس) وحدثتني عن رسالتك إليها وقالت لي أنها تشكو الكبد (يا ريت كبدي ولا كبدها) وقد بينت لها أن الكبد هو مرض الجميلات.. لأن العيون الإسبانية عندما تشتغل.. فمن الطبيعي أن يتوقف الكبد.. ويظهر أن تشخيصي أرضاها. أما ابنتها الساحرة فهي لا تشكو شيئاً. وانما نحن الذين نشكو.. وقد دعوت الأم والابنة إلى حفلة عشاء عندي مع سفيرة اسبانيا في دمشق .. فجاءت البنت وحدها (أحسن..) ولم أمد يدي ليلتها إلى الطعام.. لأن العينين الخضراوين أنستاني كياني .. وشرشف الأغباني.
الحاصل.. هذان النموذجان هما أروع ما خلفت لنا من تماذج .. وسواهما ليس إلا فراطة من الأخيرة ايفون ونازل. معطف السيدة رويدة انتهى ولم يبق سوى العثور على (حمّال).. وأرجو أن يفتح الله بواحد في الأيام القادمة.. لتتمكن السيدة رويدة من ارتدائه قبل شهر آب.
سرني أنك عاكفة على إتمام روايتك التي لا عنوان لها.. واعتقد أن مناخ بلودان حتى في أيام الشتاء، هو المناخ الأمثل لإكمالها. أرجو أن تكون سجائر الفيليب موريس طبعاً متوفرة لديك.. مع كيلو بن عدني مع الهيل.. لأن أبطال الرواية لا يتحركون إلا اذا شمّوا رائحة القهوة.
عنوان الرواية لا يهم أبداً.. لأن جميع عناوين كتبي وجدتها مخبوءة تحت دواليب المطبعة.. أشكرك جداً على زيارة شروشي.. ولا سيما تلك السنديانة المتعبة التي هدتها المروءات والتضحيات .. أعني أمي.. أقول سنديانة عن أمي.. وأمك وجميع هذه الطائفة من القديسات .. لأنني ألاحظ أن موسم السنديان.. قد انتهى مع الأسف.. ولم يبق سوى الجيل الذي يشابه بارتخائه عروق الطرخون.. والنعنع.
ختاماً لك وللأخ العزيز نادر وللوالد والوالدة الجليلين وللعزيز نزيه والحبيبتين ندى ورشا وللأخ ظافر
(الذي انتهى موسه حبه لنا على ما يبدو) وللأخ سليمان المدرس وابنته ولجميع أصدقائنا أطيب التحيات وأرق الأشواق .وهنا للأخ موفق وليلى.. والكاستيانا.. وإسبانيا جميعها من أكبر ملك مخلوع فيها غلى أصغر «سينيرو» يسلمون عليكم ويذكرون بالخير أيامكم الورافة.
العدد 1102 – 5-7-2022