ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
لم يعد سيمور هيرش وحيداً في ساحة الحديث السياسي والإعلامي والوثائقي عن الكيماوي وغيره، فقد انضمت إلى جواره مواقع وصحف، يعد أن انفكت عقد لسانها أو تخلصت من حرجها وأفرجت عمّا في يديها من وثائق وأدلة وقرائن، ورمت بها في وجه ما سمي اصطلاحاً بالمجتمع الدولي.
ما برز قد لا يشكل سوى عينة بسيطة مما هو في حوزة الكثير من وسائل الإعلام، وبالضرورة في متناول السياسيين والدبلوماسيين، لكنه يكفي مبدئياً لإعادة تسليط الأضواء على الاسئلة المرّة في هذا العالم، الذي تصنعه السياسات الغربية وهي تدار بالكذب والفبركة واصطناع الأدلة المزيفة طريقاً لتحقيق ما يعجز عنه الإرهاب والقتل والتدمير والضغط والتهويل تلميحاً وتصريحاً.
لسنا بوارد البحث عن المحاسبة ولا المطالبة بتحمل تبعات ما نتج، لأن الطريق لا يزال طويلاً، لكنه يكفي للشروع عملياً في مراجعة تقتضيها الحقائق المتدحرجة، التي لا تقتصر على الكذب هنا بقدر ما تكشف عن الجناية السياسية والشخصية لكثير من صناع القرار في الغرب، وما تمليه المسؤولية الدولية في البحث والتقصي وصولاً إلى إماطة اللثام عمّا تبقى من فبركات كادت تقود العالم إلى حافة المجهول.
في التسويق السياسي والذرائعي تبدو الغلة الغربية مرتبكة وحائرة وهي تتلقى الصفعات السياسية والإعلامية تباعاً، لكن في المحاسبة والمقاصصة السياسية تبدو المسألة في كفة أخرى وبعيدة عن التداول، حيث لا يزال الجناة يقبضون على أدوات التحريض ذاتها، ولا يزال حراس الكذب قائمين على حماية النظام العالمي وسطوة الغرب، فيما شهوة أطماعه تتسع باتساع المساحات الخالية التي وقفت وتقف الأمم والشعوب حائرة في التعامل معها.
فإذا كانت الوثائق حاضرة والمعلومات معروفة ومتداولة في أروقة السياسة والسياسيين، فماذا عن الخطوات الموازية؟ ولماذا الصمت نفياً أو تشكيكاً أو تأكيداً؟ والأخطر لماذا يتم التعامل بهذه اللامبالاة مع كل ما يجري فضحه؟.
لا تبدو الإجابة هي المهمة في زمن تعوزه الجرأة والكفاءة السياسية والأخلاقية، وقد قصفنا الغرب على مدى عقود خلت عن تقاليد السياسة والإعلام والمبادئ والتحضر، حين كانت قصة سخيفة في قرية نائية تستدعي استقالة وزير أو حكومة، فيما كذبة كادت تشعل حرباً عالمية لم تدفع صوتاً غربياً واحداً كي يدلي بدلوه، ولماذا أصيبت المنظمات الدولية بداء الخرس وهي تجترّ في الأكاذيب الكبرى وتحتمي بالشعارات المضللة.
في سنوات التنظير السياسي والدعائي كانت قد صدئت أسماعنا بطقوس العالم المتحضر والشرعية ومسالك الدعاوى العالمية ودروب صناعة الرأي وقنوات الضغط، أين غابت جميعها؟! ولماذا عجزت حتى عن النطق، وقد اعتزلت النصيحة والرشد والاسترشاد؟!!
فالعراق الذي ذهب ضحية كذبة كبرى لم ينفعه اعتذار باول، والحبل على الجرار، والجاني يحاضر في الحقوق والمبادئ والإنسانية والتحضر والديمقراطية، وجناة اليوم على الدرب ذاته، يستلهمون من المنهج والمستنقع الآسن نفسه.
كتبوا على دفاتر الضمير العالمي الاستراحة الإجبارية المصنعة خصيصاً للمنطقة وشعوبها، لتكون حقول تجارب لأكاذيبهم وفبركاتهم، ومرروا بالخديعة القذرة أدوارهم وصدّروا للعالم نماذج من العهر السياسي والأخلاقي والدبلوماسي.
كذبوا في الماضي كثيراً، ويكذبون في الحاضر أكثر.. استخدموا الفبركات الوسخة وكانت عورات لسانهم جزءاً من حبكة السياسة ومنهج السلوك، نجحوا في تدمير دول وتحطيم شعوب، لكنهم لم يكسروا إرادة الحياة.
لا ننتظر أن ينتصر لنا التاريخ بعد حين، ولا أن تنصفنا الحقيقة بعد فوات الأوان، كما كان الحال على مدى عقود وربما قرون، في الوقت ذاته لا رهان ولا تعويل على فضيحة تتكشف هنا ولم نكن ننتظرها، ولا على قرينة تُنشر هناك ولم نكن نراهن عليها، بل على أننا كنا وما زلنا وسنبقى نتعلم من يقين السوريين ومن الحقيقة السورية كيف يتحول الممكن إلى مستحيل، وكيف يصبح حراس الكذب أكثر من جناة!!
a.ka667@yahoo.com