يبدو أن جعبة التاريخ والحضارة لا تبرح خوابيها تنضح بكلّ ما تجود فيه من التراث والفنون والثقافات المتجددة، وما إن تهل علينا مواسم الصيف حتى تعلن المهرجانات حضورها في غير مدينة من مدننا السورية، تعبر فيها عن وجودها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها، تجذب إليها القاصي والداني، فيجد فيها المغتربون ضالتهم، يتوافدون إلى تلك المهرجانات يستعيدون فيها ما فاتهم من متع وعبق بلادهم، وقد زادتهم الغربة تعلقاً وعشقاً بتلك الطقوس الحميمية والتي تربطهم بمرابع الطفولة والشباب، ونسمات تعيد الحياة لهم من جديد.
ولا شك أن هذه المهرجانات تحدث حراكاً في المجالات الثقافية والفنية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، وهي في الآن نفسه تبرز الوجه الحضاري لسورية، وهنا يبرز دور المثقف في مثل هذه التظاهرات، لدعم هذا الحراك عن طريق تنظيم بعض الأنشطة والندوات التي تعرف بالتراث العريق لبلادنا وأهمية الحفاظ عليه من الضياع والتشويه، وخصوصاً في عالم تبتلعه العولمة وتعيد تشكيله من جديد.
ورغم أن هذه التظاهرات والمهرجانات تحرك راكداً وتبعث حياة جديدة في غير مكان من سورية كمهرجان القلعة والوادي في حمص مثلاً، لكننا نحتاج حضوراً فاعلاً في العديد من الأرياف والمناطق النائية التي تنام على كنوز من التراث والفنون، لكنّها لم تلق الرعاية الكافية لتنهض بها وتعيد تشكيلها بالشكل الذي يليق بقيمتها الثقافية والفنية والتراثية.
ولا يمكن تجاهل دور وزارة الثقافة والسياحة والعديد من الجهات في النهوض بالخدمات التي تقدم من أجل إحياء هذه التظاهرات ودعمها، ولكن تبقى الجهود قاصرة إذا لم تشمل المناطق جميعها، وخصوصاً تلك التي تعرّضت لتدمير ممنهج في القضاء على هويتها وطمس معالمها وضياع أبنائها.
وكلّ ما نأمله أن نعيد بناء الجسور بين أبناء جلدتنا عبر انخراطهم في مهرجانات ثقافية واجتماعية وسياحية، تعيد للحياة ألقها، متعالين فيها على الظروف القاسية جميعها، فمازال في قلوبنا نبض يعشق الحياة، ويخفق باسم سوريتنا التي استحقت أن يكتب اسمها بحروف من نور، واستحق شعبها أن يتوج بأكاليل الغار.