لقد تحدثنا قبل أسابيع عن الانعكاس السلبي للحرب في أوكرانيا على الحياة السياسية لزعماء الغرب، وتناولنا حينها هزيمة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الانتخابات العامة، والسقوط الذي فتح باب سخرية الأميركيين من رئيسهم جو بايدن، عندما سقط مع دراجته الهوائية، الأمر الذي اعتبره العديد من المراقبين بداية لسقوطه السياسي.
أما اليوم فيعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون هو رأس قائمة الساقطين من الزعماء الغربيين، بعد أن قدم استقالته مرغما في السابع من هذا الشهر من زعامة حزب المحافظين، ورئاسة الحكومة، حتى وإن بقي يديرها إلى حين اختيار زعيم للحزب بدلا منه ليخلفه برئاسة الوزراء.
وقد سبق يوم سقوط جونسون استقالات بالجملة قدمها العشرات من أعضاء حكومته وحزب المحافظين للضغط عليه وإرغامه على الاستقالة، وذلك على خلفية سلسلة من الفضائح السياسية والأخلاقية تراكمت في طريقه السياسي خلال فترة حكمه القصيرة التي استمرت 1079 يوما فقط، الأمر الذي حتّم انزلاقه المبكر إلى خارج الحياة السياسية البريطانية.
ومن يقرأ هذا الحدث الهام، ورسائل الاستقالات التي بعث بها زملاء جونسون وشركاؤه بالحكم، فإنها تختصر بدورها موقف السياسيين البريطانيين من طريقة إدارة جونسون لأمور البلاد، خلال فترة حاسمة تتعلق بآليات التعامل مع الخروج من الاتحاد الأوروبي، ووباء كورونا، والحرب في أوكرانيا، وما بينهما الكثير من المواقف التي وضعت الشعب البريطاني تحت ضغوط الديون والتضخم مع ارتفاع أسعار السلع والطاقة، إضافة للضغوط السياسية التي جاءت نتيجة لتورط حكومة جونسون بالحرب في أوكرانيا أكثر فأكثر، نزولا عند رغبة واشنطن التي أخذت على عاتقها تسعير هذه الحرب بأي ثمن من الأثمان.
اليوم وأمام الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية الناتجة عن العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا على الصعيدين البريطاني والدولي، يأتي سقوط جونسون المبكر ليفتح بابا لتساؤلات كبرى، وفي مقدمتها هل الاستقالة انتصار “للديمقراطية” البريطانية، أم هي “تخريجة براغماتية” من جانب جونسون، لامتصاص نقمة البريطانيين من سوء سياساته الداخلية والخارجية، إلى جانب امتعاضهم من سلسلة فضائحه السياسية والأخلاقية؟.