يبدو أن العائد المستقبلي المنتظر من قطاع التعليم وخاصة التعليم العالي لا يرضي الكثيرين، إذ لا يجدون أن مخرجاته تتناسب مع دورها الجديد ضمن إستراتيجية البرنامج الوطني التنموي لسورية بعد الحرب 2030، وعليه فإن أصابع الاتهام تتجه نحو سياسة الاستيعاب الجامعي المتبعة باستقبال كل الخريجين من مرحلة التعليم الثانوي مما يعيق دور هذا القطاع في العملية التنموية فيركز على الكم ويفتقر إلى النوعية.
قد يكون لهذا الرأي بعض الصواب لو كانت جامعتنا في ظروف مختلفة عن الظروف التي تعيشها حاليا بعد سنوات من الحرب الظالمة وما تلاها حاليا من ضغوطات اقتصادية كبيرة، إذا أنه لا يوجد جامعة في العالم تأخذ ألف طالب زيادة عن قدرتها الاستيعابية. فترفع في ذلك خدماتها ومستلزمات التعليم لديها إلى الطاقة القصوى مما يؤدي إلى فقدان البريق والتألق العلمي والمعرفي. إلا موضوع العائد التعليمي المشارك في التنمية المستدامة لا تقع الملامة فيه على موضوع التوسع الجامعي كحدث أو بند فردي، وخاصة أن الهدف الأساسي منه هو ترسيخ العدالة الاجتماعية وتحقيق مبدأ المواطنة وعدم ترك عشرات الطلبة خارج نطاق التعليم العالي الأمر الذي يخلق حلقة جديدة من التسرب التعليمي. فمسألة النوعية ترتبط مباشرة بنظام تعليمي متطور كفُؤ، تقوم الجامعة بتهيئة الظروف المناسبة التي تتيح لكل طالب إمكانية التمتع بالمعارف الجديدة ليكونوا شركاء في التنمية.
إن عملية الانتقال من الاستيعاب إلى التنمية إشكالية ترتبط بأمور عديدة تبدأ من دور المفاضلة العامة التي تأخذ الطلبة إلى خيارات ورغبات بعيدة كل البعد عن طموحاتهم وصولا إلى تحديات تتعلق بالمناهج القديمة التي لا تتناسب مع ما وصل إليه العالم اليوم من تطور علمي وتقني، وصولا إلى غياب جزئي للدور التنموي للجامعات والمعاهد وتخريج آلاف الطلبة دون أن يكون لهم مكانا في سوق العمل. هناك سوار من الإشكاليات تحيط بسياسة التعليم العالي لا يمكن اختصارها بموضوع الاستيعاب الجامعي، والتملص من أمور أكثر حساسية وأهمية في موضوع تخريج جيل تنموي ضمن اعتمادية وجودة عالية.
لاشك بأن نقص الكوادر التدريسية في هذا القطاع إلى ما يصل 30% هو جزء من سوار المشكلات، غياب طرق التدريس الفاعلة والخروج من أساليب التلقين هو أيضا جزء من هذا السوار، نقص المستلزمات التعليمية وعدم تناسب المخابر وأجهزة الكمبيوترات مع عدد الطلاب وتقسيم الطلبة إلى مجموعات، غياب الحسابات المتعلقة بتوزيع الطلبة بحسب حاجة سوق العمل لهذا الاختصاص أو ذاك، والطرائق الامتحانية وغيرها من الأمور التي أصبحت تشكل سوارا يحيط بهذا التعليم ولا يجعل له طريقا نحو التنمية.
ما أحوجنا اليوم إلى طرائق جديدة تعيد الألق لجامعاتنا وتربط خريجينا بمتطلبات سوق العمل وتركز على التعليم المهني من بداية الحلقة الثانية للتعليم ما قبل الجامعي وربطه مباشرة باختصاصات المرحلة الجامعية العليا، والإنفاق على البحث العلمي والتعليم التقني، والتركيز على الدور المجتمعي لهذه الجامعات كمراكز لبناء الإنسان الفاعل تنمويا لبناء الوطن وخاصة أننا في مرحلة إعادة الإعمار. حتى لا نبقى نصدر الرأس المال البشري إلى العالم دون أن نستفيد منه.