الثورة- لقاء ميساء الجردي:
في هذا اليوم الأغر حيث يصادف الذكرى السابعة والسبعين لعيد الجيش العربي السوري، كان لنا هذا اللقاء مع العميد الركن غالب جازية رئيس فرع الإعلام في الإدارة السياسية، وكان السؤال الأول: ماذا تقولون عن هذه المناسبة ورجال قواتنا المسلحة يواصلون تأدية مهامهم بكل شجاعة وكفاءة وإخلاص.
فرسان الضياء
**يقول العميد الركن جازية: في الأول من آب تتفتح الزهور من عرق الرجال، تزهر المواسم في ظلال الأبطال راسمة ملاحم العز والفخر في سفر الزمن وعلى جبين الشمس بحروف لا تمحى، لأن مدادها دماء زكية لرجال أوفياء عاهدوا فصدقوا، إنهم رجال الجيش العربي السوري فرسان الضياء الذين ملؤوا صفحات التاريخ بطولات وملاحم وانتصارات، فكانوا بحق الحماة الأباة والرجال الميامين المتأهبين دوماً، الذين يمتشقون صهوة الريح، ويرتّلون أنشودة المجد ويردّون كيد الغزاة إلى نحورهم، لتبقى سورية حرة عزيزة كريمة مُسيَّجة بصدور الرجال ومكلّلة بالعز والغار.
في الأول من آب عام 1945 هلّل الفجر وكبّر الضياء فتلاقت إرادة الأرض بإرادة السماء لتعلن ولادة الجيش العربي السوري البطل، هذا الجيش الذي أذهل العالم بصموده وثباته وانتصارات رجاله الميامين الذين رسموا بدمائهم الطاهرة خارطة العنفوان المتجدد بشرايين اليقين، بالقدرة على دحر الأعداء وسحق الطغاة واجتراح المعجزات.
فتحية الإباء والبهاء لحماة الديار المنتشرين في كل بقعة من بقاع سورية الحبيبة، تحيةً لثباتهم وصمودهم، لهاماتهم المرفوعة ألقاً فوق تراب الوطن، لبطولاتهم التي أورقت شجراً رُويت أغصانه بعبير الدم، لهؤلاء الرجال تنحني الهامات ولأجسادهم التي سيَّجت حدود الوطن تُكتب الملاحم، ولأحلامهم بوطنٍ حرٍّ كريم يركع التاريخ إجلالاً وتقديساً، لتلك الإرادة التي قُدَّتْ من صخر أزلي، من شموخ كشموخ السنديان استقت نسغها المعطر برائحة الدم النبيل لتقول للنصر المؤزّر كن فيكون.
فكل عام وأنتم بخير يا عبق السيادة والكرامة، كل عام وأنتم الأنموذج والقدوة في البذل والتضحية والعطاء، ودامت سورية بشعبها الأبي وقائدها الشجاع السيد الرئيس الفريق بشار الأسد القلعة الشمّاء التي تواجه أعتى الرياح ويهزم على أسوارها المعتدون.
*ما هي دلالات ومعاني هذا اليوم العظيم في تاريخ شعبنا وأمتنا؟
**إن الجيش العربي السوري هو مدرسة وطنية عريقة وتاريخ مشرف زاخرٌ بصفحات البطولة والتضحية والفداء وقد أثبت للعالم أجمع أنه على قدر المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه في جميع المراحل ومواجهة التحديات والأخطار التي تتهدد أمن الوطن.
لذلك فإن عيد الجيش العربي السوري ليس حدثاً عابراً يمر مرور الكرام بل إن له معانٍ ودلالاتٍ عميقة نابعة من أهمية الدور الذي اضطلع به جيشنا الباسل منذ ولادته وهو مناسبة بتجديد العهد على متابعة مسيرة التضحية والبطولة والإباء، وفي الدفاع عن الوطن وصون كرامة أبنائه والالتفاف حول القيادة الحكيمة والشجاعة للسيد الرئيس الفريق بشار الأسد الذي قال: «إن المؤسسة العسكرية والقوات المسلحة هي بحق مصنع للشجاعة والرجولة والوطنية والأخلاق, ومن هنا تأتي أهمية القوات المسلحة في تاريخ سورية منذ الاستقلال وحتى الآن وأهمية دورها الريادي في مسيرة نضال شعبنا»
تاريخ حافل بالمآثر والبطولة
وتابع العميد الركن جازية بالقول: إن الحديث عن تاريخ الجيش العربي السوري يبعث على الفخر والاعتزاز لأنه تاريخ حافل بالمآثر والبطولة ولا يمكن لنا أن نعطي هذا التاريخ المجيد حقه في لقاء ولكن يمكننا الوقوف على بعض المحطات الهامة التي تتناول هذا التاريخ العريق فالجذور التاريخية الأولى لنواة جيش عربي سوري كانت بعد طرد المحتل التركي وتشكيل الحكومة العربية الفيصلية في الأول من تشرين الأول عام 1918م هذا الجيش البطل الذي جسد في معركة ميسلون في 24/تموز/1920م أسمى معاني النخوة العربية والاستعداد للتضحية والدفاع عن الوطن ورفض الخضوع لإرادة المعتدين وهو موقف يبعث على الفخر والاعتزاز, فقبل أن تكون معركة ميسلون معركة عسكرية تقاس بنتائجها على الأرض، هي موقف وطني وقومي تعتز به الأجيال على مدى الأيام, حيث لم يسمح المقاتلون السوريون بإمكانياتهم لجيش المعتدي الفرنسي أن يدخل دمشق وكأنه في نزهة, بل قاموا وصمدوا وقاتلوا حتى استشهدوا وكان أول الشهداء البطل يوسف العظمة وزير الحربية الذي أضاء لنا الشعلة الأولى في الجيش والقوات المسلحة بأن طريقنا هو طريق الشهادة أو النصر.
لقد أسست معركة ميسلون قاعدة صلبة لمقاومة المستعمر الفرنسي والصمود في وجه المخططات والمؤامرات ونيل الاستقلال عام 1946م, فلم تكن هذه المعركة مجرد واقعة عابرة بل انطوت على دلاله رمزية عميقة أخلاقية وإنسانية وسياسية وبطولية فهي لحظة فاصلة بين الطموحات العظيمة لشعب وأمة تسعى لاستعادة مجدها وجيش يذود عن حياض وطنه بقيادة البطل يوسف العظمة، وبين
النزعة الاستعمارية الدنيئة التي تريد الهيمنة والسيطرة ونهب الخيرات التي يمثلها المحتل الفرنسي والجنرال “غورو”, فهذه المعركة قد أبقت جذوة النضال متقدة حتى تحقيق الجلاء عام 1946م.
والجدير ذكره أن الجيش العربي السوري قد تم تأسيسه قبل عام تقريباً من الجلاء في الأول من آب عام 1945م وكان له الدور الوطني الرائد في الجلاء، وقد استمر هذا الدور في تصاعد, فعلى الرغم من عمره الفتي شارك في الدفاع عن عروبة فلسطين عام 1948م ووقف ضد الأحلاف والمؤامرات الاستعمارية في الخمسينات، حيث قاوم حلف بغداد ومبدأ إيزنهاور المتضمن ملء الفراغ في الشرق الأوسط، وشارك في الدفاع عن عروبة مصر عام 1956م في صد العدوان الثلاثي وكان له دور مشرف وبارز في قيام الوحدة بين سورية ومصر عام 1958م والتصدي لمؤامرة الانفصال عام 1961م لتتوالى مسيرة قواتنا المسلحة بناءً وإنجازات بعد قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963م حيث غدت أكثر.
وأضاف: لكن النقلة النوعية الأهم كانت بعد قيام الحركة التصحيحية المباركة التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد, حيث استطاع في غضون أقل من ثلاث سنوات من عمر التصحيح المجيد أن يعيد بناء الجيش وبنيته التنظيمية والتسليحية لينتصر قبل كل شيء على عوامل الضعف ومفرزات ثقافة الهزيمة والإحباط ويعصف بكل أسباب التردد والخوف والإحباط لتحل محلها مقومات الصمود والثقة بالنفس واليقين بالقدرة على اتخاذ قرار الحرب واستعادة زمام المبادرة في حرب تشرين التحريرية وتحطيم أسطورة العدو الذي زعموا أنه “لا يقهر”, والاستمرار في حرب الاستنزاف على الرغم من خروج مصر وإبقاء الجبهة مشتعلة على خطوط التماس إلى أن توج ذلك بتحرير محافظة القنيطرة ورفع علم الوطن في 26/6/1974م, كما كان له الكلمة الفصل في القضاء على عصابة “الإخوان المسلمين” الإجرامية, والاطلاع بمهامه الوطنية والقومية المشرفة في لبنان عام 1976م حيث نجح بإنهاء الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان والحفاظ على وحدة هذا البلد وعروبته, وكذلك التصدي للاجتياح الصهيوني عام 1982م وتهيئة البيئة الملائمة لولادة مقاومة لبنانية فاعلة استطاعت أن تذل جيش الاحتلال وترغمه على الانسحاب تحت جنح الظلام من معظم الجنوب اللبناني في أيار عام 2000م, وقد ظهر الدور الريادي لجيشنا بوضوح في تفعيل ودعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية وما حرب تموز عام 2006م إلا الشاهد الأبلغ، وكذلك الأمر على الساحة الفلسطينية وما حققته المقاومة من صمود وإنجازات أرغمت قادة “تل أبيب” على التسليم بقواعد الاشتباك الجديدة التي فرضتها المقاومة بدعم من الجيش العربي السوري الذي يتابع مهامه اليوم بكل اقتدار في مواجهة أقذر حرب عرفتها البشرية ولم تستطع قوى التأمر والعدوان على تنوعها وكثرتها أن تمنع جيشنا العقائدي البطل من القيام في المهام المقدسة الملقاة على عاتقه بالوجه الأكمل .
المقاتل العربي السوري هو ابن هذا الشعب الأبي العظيم
*ما الذي اختلف في بنية تدريب وتأهيل الجندي السوري بعد سنوات الحرب التي خاضها الجيش على مدى عشر سنوات على الإرهاب بأشكالها المختلفة؟
يجيب العميد الركن جازية: المقاتل العربي السوري هو إنسان وهو ابن هذا الشعب الأبي العظيم المجبول بحب وطنه المسكون بقيم الوفاء ونقاء الانتماء والاستعداد الدائم للتضحية بالدم والروح دفاعاً عن عزة الوطن وكرامته وهو قادرٌ على التكيف مع كافة الظروف والمواقف وقادر على الصمود لا بل على اجتراح الانتصارات في أعقد المواقف والتي هي أشبه بالأساطير، فكما قال السيد الرئيس الفريق بشار الأسد: «ما قامت به القوات المسلحة أقرب إلى المستحيل, فهذه المؤسسة بنيت منذ الاستقلال وخاصة بعد نشوء “إسرائيل” بناء على جبهة محددة وبعمق معين وجغرافية معينة وهي بنت بنيتها القتالية وإستراتيجيتها وتسليحها من أجل خوض معركة من نوع محدد مع العدو».
لقد واجه الجيش العربي السوري حربا مركبة أول ما بدأت بحرب نفسية قذرةٍ لا سابق لها وإعلام تضليلي يقوم على الفبركات والأكاذيب والشائعات والدعايات المغرضة عبر ماكينات إعلامية ضخمة وأبواق لا حصر لها, وواجه جحافل من الإرهاب الممنهج والممول والمسلح والمدعوم عسكرياً وسياسياً ومادياً وإعلامياً من دولٍ إقليمية ودولية، هذا الإرهاب الذي لو ضرب أكثر الدول قوةً لتصدعت وتداعت, لكن جيشنا الباسل بعقيدته الراسخة وإرادته الصلبة ومرونته وتغيير تكتيكه استطاع التغلب على كل هذه الصعاب واستطاع باحتضان شعبنا الأبي ودعمه له مواجهة حرب العصابات وحروب الأنفاق والمدن واستطاع بسرعة أن يغير من أساليبه وتكتيكاته ويتمكن من اجتثاث هذه العصابات التكفيرية المسلحة من أرض الوطن فكان يخوض كل يوم معارك ضارية على امتداد مساحة جغرافيا الوطن وبما يقارب من /4000/ نقطة اشتباك وكان رجاله في كل ثانية يمهرون حمرة التراب بدمائهم الطاهرة ويسطرون أروع الملاحم وأبهى الانتصارات التي ستبقى نبراس نور ومعلم إباء في تاريخ الأجيال.
من يجيد قراءة التاريخ وحده القادر على رسم ملاحم المستقبل
* وفي هذه المناسبة العظيمة ما هي رسالة اليوم للجيش العربي السوري من خلالك؟
**إن من يجيد قراءة التاريخ هو وحده القادر على رسم ملاحم المستقبل وإن من يمتلك الحق ويعتنق الصمود والمقاومة نهجاً وطريقاً هو من يكتب عناوين المستقبل ونحن أحفاد أولئك العظام أحفاد البطل يوسف العظمة, الذي تربوا في مدرسة الصمود والكرامة والإباء والكبرياء مدرسة القائد المؤسس حافظ الأسد، ونحن أصحاب هذه الأرض وأصحاب الحق، ونحن قبل كل ذلك من هذا الوطن وطن الحضارة والتاريخ والأبجدية، منه انطلق أول شراع، ومنه كانت أول حبة قمح، لذلك لن نسمح أبداً للقادمين من خارج التاريخ أن يكتبوا على هذه الأرض ما لم يكتبه التاريخ من قبل، وسنواصل بعزائمكم الصلبة وخلف راية قائد الوطن السيد الرئيس الفريق بشار الأسد طريق الانتصارات، طريق البناء والإعمار لكي تبقى سورية كما كانت أبداً وطناً لا يغيب عنه المجد..
ويختم العميد الركن غالب جازية هذا اللقاء بتقديم المباركة لخطوات رجال الجيش العربي السوري، ومباركة لخطواتهم، وجباههم العالية التي تطلع منها شمس العزة وأقمار الكرامة: إن وطنناً أنتم رجاله لن ينهزم… إن وطننا أنتم عدته لن ينكسر لأنه وطن الشمس.. وطن الأباة والحماة وطن السيد الرئيس الفريق بشار الأسد.