(الدراما السورية.. صناعة فكر ومسؤولية مجتمعية) تحت هذا العنوان أقامت وزارة الإعلام بالتعاون مع لجنة صناعة السينما والتلفزيون ورشة عمل على مدى يومين في فندق الشام بدمشق. كانت الورقة الأخيرة فيها حول الرسائل والقيم التي يفترض أن تعكسها الدراما في إطار ترسيخ الهوية الوطنية. ويبدو تقديم وصفة إرشادية عن الرسائل والقيم أمراً لا لزوم له، ذلك أنها ما قد يتفق عليه الجميع. لكن هل يمكن للدراما التلفزيونية حقاً أن تكون حاملاً لقيم وطنية واجتماعية؟
من وجهة نظري أرى أن الجواب على هذا السؤال لا يكمن في رأي تنظيري، وإنما فيما استحضار ما قدمته الدراما التلفزيونية السورية فعلاً، منذ انطلاقتها مطلع ستينات القرن الماضي. حيث نجد أن أول عمل درامي أنتجه، وعرضه التلفزيون السوري كان تمثيلية (ثمن الحرية) وهي تحكي عن إحدى فترات الاستعمار الفرنسي للجزائر. وبالتوجه نحو الدراما الإذاعية. كان أمام رواد العمل التلفزيوني الإرث الثري للقصاص الشعبي حكمت محسن الذي قدّم صوراً من الواقع مليئة بالقيم الإنسانية والأخلاقية.
يسجل للدراما السورية ريادتها في مجال الكوميديا التلفزيونية. كانت الكوميديا منذ البداية مادة مرغوبة تلفزيونياً فأخرج سليم قطاية في العام 1962 (نوادر جحا) ثم أخرج جميل ولاية عام1964 (يوميات محمود جبر)، وعاد خلدون المالح في مطالع سبعينات القرن الماضي ليخرج للثنائي دريد ونهاد في جزئين مسلسلهما الأشهر (صح النوم). وقد مهدت أعمال دريد ونهاد لقبول اللهجة السورية في البلاد العربية، قبل وقت طويل من ظهور الفضائيات، وبالتالي قبول الدراما التلفزيونية السورية. كما أنها كانت أساس نهضة الكوميديا التلفزيونية السورية، والتي حققت – ولا تزال – نجاحاً محلياً وعربياً كبيرين. وخاصة الكوميديا الناقدة، والتي تجلّت خاصة في أعمال ياسر العظمة خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، ثم في تجارب الفنانين الشباب في (بقعة ضوء) وسواها. إضافة إلى بضعة مسلسلات كوميدية منها (وادي المسك)، و(يوميات مدير عام) و(ضيعة ضايعة) في جزئيه و (خربة) وهي جميعاً قد حملت – بشكل أو آخر – رسائل وطنية ومجتمعية.
لا يحتفظ الجيل الذي رافق بدايات التلفزيون في ذاكرته بالأعمال الكوميدية فقط – وإن كانت الأكثر رسوخاً بحكم تكرار بثها- فهو كذلك يحتفظ بذكرى الكثير من الأعمال الدرامية التي أسست للسمعة الطيبة التي حظيت بها الدراما التلفزيونية السورية، ومن هذه الأعمال (حكايا الليل) الذي أخرجه غسان جبري عام 1968 عن نصوص لمحمد الماغوط ، وهو يقوم على مشاهدات عامل نظافة وحارس ليلي في دراما اجتماعية تنتهي بتأكيد قيم إنسانية. و(عروة بن الورد) عام 1968 أيضاً لعلي الجندي وإخراج جميل ولاية، و(البخلاء) من تأليف ياسر المالح عن كتاب الجاحظ وإخراج غسان جبري وخلدون الحكيم، و(مذكرات حرامي) عام 1969 وهو مسلسل من 13 حلقة عن نص لحكمت محسن سبق تقديمه في الإذاعة، وأعده للتلفزيون وأخرجه علاء الدين كوكش. وقد أثار حين عرضه اهتماماً وجدلاً واسعين استمر أكثر من ثلاثة أشهر بسبب التداخل الذي صنعه المخرج بين الشخصية الحقيقية والشخصية الدرامية، وبين البرنامج (الريبورتاجي) والعمل الدرامي. وللحديث تتمة