بدأ العد التنازلي للتسجيل في الجامعات والمعاهد.. فخلال فترة قصيرة ستصدر القرارات المصيرية في حياة الطلبة وحياة المحيطين بهم، وعلى الرغم من الكبوات العديدة التي لحقت بهم أثناء امتحانات الثانوية العامة وما تخللها من ثغرات أثرت على تحصيلهم العلمي ودرجاتهم.. إلا أنهم أصبحوا أمام تحديات جديدة، أهمها اختيار الاختصاص، فنسبة قليلة من الطلاب يعرفون ماذا يريدون على وجه الدقة، والأغلبية العظمى في حيرة كبيرة، يتخبطون بين رغبات الأهل ونصائح الأصدقاء.
بالطبع كل ينصح من منظوره الشخصي، وليس من منظور سوق العمل واحتياجات المستقبل، بعض الأهالي يحاولون المساعدة بالإرشاد والتوجيه، وبعض الأهالي يصرّون على أن يدرس أبناؤهم تخصصاً معيناً هم يرونه مناسباً، خصوصاً في حال لم يكن الأبناء قد قرروا بأنفسهم ما يرغبون فيه؟.
بحكم المنطق والطبيعي في مثل هذه الاختيارات أن ينتبه الطلبة والأهل معاً إلى الموضوعات التي تستحوذ على اهتمامهم، والأمور التي يجدون فيها متعة لمعرفة المزيد، والاختصاصات التي تثير فضولهم ويشعرون أنهم قادرون على فهمها دون أن يجدو صعوبة في تعلمها.. ولكن عليهم ألا يغفلوا موضوع العمل والنظر لمستقبل هذا الاختصاص أو ذاك ومدى قابلية تأمين عمل في هذا المجال أو إنشاء عمل خاص بهم، أو كلاهما، بنظرة شمولية تتناسب مع الانفتاح الذي يعيشه العالم اليوم.. فليس من الحكمة أن يكون توجه الأغلبية العظمى من الطلبة نحو الوظيفة العامة، وهناك عشرات المشاريع الريادية التي يمكن أن يعملوا بها، وخاصة أنه بإمكان أي شخص اليوم الحصول على مهارات ومؤهلات تمكنه من دعم اختصاصه علمياً وتدريبياً..فقد أصبح بمقدرة الشخص إتقان الكثير من المهارات عن طريق استخدام تطبيقات الكمبيوتر أو البحث وإتقان اللغة وهي أمور يمكن تعلمها خارج الجامعات أو المعاهد التعليمية التقليدية.
الفكرة من طرح هذا الموضوع هي ألا ينظر الطالب وذووه إلى موضوع اختيار الاختصاص كأنه مشكلة كبيرة لا يستطيعون الخروج منها لأن علاماته في الثانوية العامة لا تؤهله للكليات الطبية أو الهندسات، فهناك عشرات الاختصاصات التي أصبح لها مجالات واسعة ومطلوبة بكثرة في سوق العمل، ويرتبط بها تخصصات دقيقة تحمل مستقبلاً هاماً مثل العلوم الصحية والعلوم البرمجية والتسويق الرقمي والتخصصات الجديدة في الاقتصاد والتربية وغيرها.. إضافة إلى عامل مهم يسهم بشكل كبير في الحصول على فرص جيدة وهو عامل اللغة، الذي بات شرطاً أساسياً في الحصول على العمل.. فهناك أشخاص لديهم خبرات كبيرة ومؤهلات علمية هامة ولكن بسبب عدم تمكنهم من اللغة الإنجليزية، خسروا هذه الفرص.. وهذا ليس من باب الترويج وإنما من باب الحرص في الإحاطة بجميع الجوانب التي تصل بأبنائنا إلى سوق العمل بأقل الخسائر.
بشكل عام هناك مبادرات جديدة في هذا الجانب، أصبح الاتحاد الوطني لطلبة سورية يطلقها كل عام تحت عنوان عينك على اختصاصك لتعريف الناجحين بالثانوية العامة على مجمل الاختصاصات الموجودة في الجامعات بشكل مفصل.. وهي مبادرات لها ما لها من الفائدة لكون الذين يشرحون عنها هم طلبة من الاختصاصات نفسها وتسهل على الطالب وضع المقارنات بين ما يتضمنه الاختصاص وبين ميوله الشخصية وقدراته .. ولعل في ذلك شيئاً من المساعدة .. تخفف من حالة الحيرة والخوف الذي يعيشها الطلبة وأهلهم في مثل هذه الأيام.