ظاهرةالعربيزي..هجين الموت اللغوي

الملحق الثقافي- وفاء يونس:

تركت وسائل التواصل الاجتماعيّ أثراً عميقاً في كلّ ما حولنا، وغيّرت حيواتنا ، وبغض النظر عمّا آلت إليه ، نقف عند ظاهرة نشأت في فضاءات العالم الأزرق ، وتخصّ اللغة العربيّة، نعني بها ما أسماه الدكتور محمود الّسيد وغيره من االباحثين ب: العربيزي ، وفي الّتعريف العربيزي : هي كلمة مشتقة من كلمتي انكليزي وعربي ّ، وثمّة من أطلق عليها كما يقول الدكتور السيد اسم الفرنكو آراب ، وهناك من وصفها باللغة الفيسبوكيّة ، وهي لغة غير رسميّة ، ظهرت منذ عدة سنوات ، يستخدمها الشّباب والّشابات في الكتابة عبر الدردشة على مواقع الّشابكة ، أو مواقع التّواصل الاجتماعيّ ، وتختلط فيها الأحرف اللاتينيّة بالأرقام ، وهي لغة هجينة بين اللغة العربيّة واللغة الانكليزيّة ، وغير محددة القواعد.
أمّا الموسوعة الموسوعة الحرّة فتقول عن نشأتها : ( يرجح البعض نشأتها إلى أوائل الآلفيّة الجديدة من خلال شبكات المحادثة المنقولة بالانترنت كـآي آر سي وهو نظام التبادل الفوري المعتمدة في الغالب على أنظمة اليونكس والتي لم تتح سوى الحروف اللاتينية للكتابة، ممّا أجبر الكثير من العرب على استخدام الحروف اللاتينيّة، وكانت شبكات الدردشة هذه قد ظهرت قبل ظهور الهاتف المحمول والرّسائل القصيرة في البلدان العربيّة، حيث لم تكن الحروف العربية متاحة في الأجهزة الموصولة على شبكة الانترنت، وقد انتشر استخدام تلك الّشبكات لدى الطلبة العرب المبتعثين كطريقة تواصل أوفر مادياً من المكالمات الهاتفيّة، وللعرب سابقة في الكتابة باللاتينيّة حيث يكتبون أسماءهم في جوازات السفر بالعربية واللاتينية.
غير أنّ السبب الرئيس لانتشار هذا النّوع من الأبجديّة أقترن مع ظهور خدمة الهاتف المحمول في المنطقة العربيّة، وذلك لأنّ خدمة الرسائل القصيرة (sms) تتيح للأبجديّة اللاتينيّة حروف أكثر في الرّسالة الواحدة عنها في نظيرتها العربيّة، ممّا دفع بعض الذين لا يتقنون الانجليزيّة إلي الكتابة بالحروف اللاتينيّة ولكنّ بصيغة عربيّة. وسرعان ما انتشرت بين المستخدمين لتوفير أكبر كمّ من الحروف كما فضّلها المستخدمون الذين اعتادوا علي استخدام الأبجديّة اللاتينيّة لأنّها تحلّ مشكلة عدم دعم بعض الأجهزة للأبجديّة العربيّة.)
أمّا الدكتور السّيد فيعيد أسباب نشاتها إلى ما هو أبعد مما قالته الموسوعة الحرّة ، فهي حسب ما رأى السيد : رّبما تعود إلى القرن التاسع عشر عندما انطلقت صيحات تدعو إلى الكتابة بالأحرف اللاتينيّة وبالعاميّة ، وكان من حملة ألوية هذه الدعوة المستشرق الألماني ( سبيتا) والانكليزي (ويلكوكس ) وقد زعموا أنّ الكتابة باللهجة العاميّة والحروف اللاتينيّة تنمّي عند المصريين قوّة الاختراع -ص78قضايا راهنة للغة العربية ، مجمع اللغة العربية 2016م
وطبعا ًوجدوا من ناصرهم من العرب حينها مثل : أحمد لطفي السيد ، وسلامة موسى وعبد العزيز فهمي ، يضاف إلى الأسباب الّسابقة التمازج اللغوي ،ومحاولات التتريك ، كذلك الفرنسة، حيث بقيت بعض المفردات تستخدم حتى الآن مع المفردات العربيّة ، مهّد ذلك كلّه ليكون الأمر حتمياً مع ظهور وسائل الاتصال الحديثة ، وفورة التقنيات (الحاسوب – المحمول ) وما تبع ذلك من مشتقّات التّواصل الاجتماعي ّووسائله .
أمّا الباحثة رابعة الخطيب فتذهب إلى الأسباب الّسابقة نفسها ، وتكتب – مستهجنة هذا التلوث اللغويّ – قائلة :
(يُحادثني الكثير مِن أصدقائي على الفيسبوك والواتساب ومواقع أخرى بلغةٍ عجيبةٍ غريبةٍ معنَاها عربي وظاهِرهَا إنجليزي ويطلقونَ عليها لغةَ الانترنت. أردتُّ معرفةَ المخترع الأول ومِنْ أَينَ نَشأَتْ العربْيزي، أي كتابةُ كلماتٍ عربيةٍ بأحرفَ إنجليزية، ومِنْ خلالَ بَحثي وقِراءاتي عَلِمْتُ أنَّها تعودُ إلى بدايةِ انتشارِ أجهزةَ الاتصال المحمولةِ والانترنت منتصفَ التسعيناتِ مِنَ القرنِ الماضي.
كانَتْ اللغاتُ المتوفرةُ في الأجهزةِ النقالةِ والحواسيبِ مقتصرةً على اللاتينيةِ وكانَتِ العربيةُ غيرَ موجودةً بشكلٍ شبْهِ كليٍّ في هذهِ الأجهزةِ، ففكرَ المستخدمُ العربيُّ بطريقةِ تواصلٍ تكونُ مفهومةً مِنْ قبلِ الآخرينَ، وهيَ لا تقتصرُ على الحروفِ اللاتينيةِ فَحَسبْ بَلْ على بعضِ الأرقامِ مثلَ الخاء يتمُّ التعويضُ عَنْها بالرقمِ 5. اليوم أصبحَتِ اللغةُ العربيَّةُ مِنْ بينِ اللغاتِ على الهاتفِ، فما عذرُ الشباب اليوم؟ انتشرتْ العربيزي كثيراً بينَ الشبابِ العربيِّ، فَهلْ هذا بسببِ سَعيِهم إلى التغيير؟ أمْ أنَّ هناكَ أسبابٌ أُخرى؟ سألتُ الكثيرينَ مِنْ مستخدمي هذِهِ الطريقةِ في الكتابةِ عَنْ أسبابِ استخدامِهِمْ لَها فَكَانَتْ الإجاباتُ مختلفةً ومتعددةً، فَبعضُهُمْ مَنْ قالَ :إنَّه يَكتبُ بِها كَي لا يفهمَ أهلُهُ ما يَكْتُبهُ لأصدقائه، وبُعضهُمُ الآخر قالَ بسببِ ضَعْفِهِ باللغةِ العربيّةِ من أجل ألا يسخرَ مِنْهُ الآخرينَ، ومِنْهُمْ يقلّدُ مَنْ حَولَهُ ولكنَّ شرَّ البليةِ ما يضحكُ، عِندَما أَخبرَنيْ أَحَدهُمْ أنِّه يواكبُ التطور فأينَ التطورُ في هذا؟
لَقدِ استخدمَ الناسُ هذهِ اللغةُ مُنذُ بدايتها بسببِ أنَّ التطور التكنولوجي لمْ يكنْ قدْ تمَّ على وجهِهِ الكاملُ بحيثُ لمْ تكن اللغات جميعُها متوفرةً في الجهازِ الذي يستخدمونَهُ. فَهل هذا تَطور، أمْ العودةُ خطوةً إلى الوراءِ؟! سَمِعتُ أقوالاً على أنها أيضاً خَرَجَتْ مِنْ عالمِ الإنترنت وانتقلَتْ إلى عالمِ الامتحانات، فهناكَ معلمونَ كُثُر يشتكونَ منْ هذِهِ الظاهرةِ. لا أعرفُ كيفَ لنا أنْ نَمْتلكَ لغةٌ مقدسةٌ كهذهِ وموجودةٌ في كتابِ اللهِ عزَّ وَجل لنذْهَبَ ونَكْتُبَهَا على شكلٍ غيرَ الذي خلقَهُ اللهُ لها. حتّى شركةَ جوجل وغَيرها من الشركاتِ صارتْ تَدعَمُها فَعنْدَما يدخلُ شخصٌ إلى محركِ البحثِ ويكتبُ بِها لا داعيَ أنْ يكتبَ بالعربيةِ، سيظهرُ لهُ ما طلبَ فوراً، ولكن ما السبب وراء ذلك؟ لغةُ الضادِ الّتي غنّى لها الشعراءُ، هيَ البحرُ الذي لا يجفُّ ولا ينفدُ، وَقد قالَ العديدُ مِنْ علمائِها أنْها كانتْ منذُ عهدٍ قديمٍ، أي قبلَ عصرِ الجاهليَّةِ وصدرِ الإسلامِ، وأنَّها اللغةُ التي تحدثَ بِها آدم في الجنةِ وهذا يعني أنَّها موجودةٌ منذ زمن طويلٍ، أي قبلَ أنْ تبدأَ الحياةُ البشريةُ على الأرضِ.
العربيزي .لا تنتمي للعربيّةِ ولا حتّى الإنجليزيّة. هيَ هجينةُ ما بينهما كما وصَفَها النقاد، وبعدَ اختراعَها وانتشارهَا لمْ يبقَ إلا أنْ يؤسسَ العربيزيون دولتَهُم الخاصة التي سيطلقونَ عليها لاحقاً (عربيزيا). لَقَدْ وَصَفنيْ الكثيرُ مِن أصدقائي بالتقليديةِ لأنني لا أكتبُ إلا بالعربية وأنبهُهُمْ من تلكَ الهجينةِ التي أصبحَتْ تشكّلُ خطراً على مستقبلِ اللغةِ العربيّةِ. فباتَ عددٌ كبيرٌ مِنَ الشبابِ والجيلِ الجديدِ ضعيفونَ جداً بِها. أنا لا أكتبُ العربيزي ليسَ لأنّي لا أعرفُها، ولكنَّني أرى أنّه منَ السخفِ أنْ أكتبَ بِها. َليسَ منِ المعقولِ أنْ أكونَ عربيةً لأذهبَ وأعزفَ عنْ لغتي كما يفعلُ البعض، إنَّ الدولَ الاجنبيةَ والكبرى مِنها مَنْ تدرّسُ اللغةَ العربية في بعضِ جامعاتِها، فَما عُذرنا نحنُ العربُ حتّى نَتخلى عَنْ هويّتنا؟
كما يقولُ الكاتبُ المصريُّ يحيى حقّي : «نعم قد نتخلى عن التراث كله، لكن هناك شيئاً واحداً لا يمكن أن يقبل هذا التخلي وإلا انهدمت فنوننا، بل حياتنا كلها، وهو اللغة، فاللغة هي التي تشكل الفكر، فكرنا، وليست لنا لغة إلا تلك التي ورثناها، قابلة للتطور من جيل إلى جيل، ولكنها تظل اللغة العربية الفصحى بعبقرتيها المتفردة، وسليقتها الفذة.». الإنجليزية هيَ الإنجليزية بِمعناها ولفظَها وكِتابَتها والعربيةُ كذلك، فَهل رأى أحدكُم إنجليزياً يكتبُ لغتَهُ ولكنْ بأحرف عربية؟ أَذكرُ عِندما كنتُ في الابتدائية وبَّختني معلمةُ الإنجليزيةِ لأنني قمتُ بكتابةِ لفظِ الكلماتِ بجانبِ الورقةِ باللغةِ العربيةِ وقالَتْ لي هذا تصرفٌ غيرَ صحيحٍ ومضحكٍ وأنَّه لكلِّ لغةٍ خاصيّاتها ولا يمكنُ لَفظها بأحرفِ لغةٍ أُخرى بطريقةٍ مماثِلة. مِنَ المؤسفِ أنَّ اللغةَ العربيةَ أَصبَحتْ موجودةً في المناسباتِ والخطاباتِ الرسميّةِ فقطْ.)
مدونة الجزيرة 18/ 8/ 2018م
ولأنّ هذه الظّاهرة استفحلت ، وغزت البيوت والمدارس والحياة العامّة ، وهددت اللغة العربيّة ، عمدت وسائل الإعلام إلى نشر العديد من اللقاءات والتحقيقات للفت الانتباه ، ومحاولة درء الخطر ، وربّما كانت الصّحف الخليجيّة – يحسب لها ذلك – الأكثر جرأة في الطّرح ، لأنّ الظّاهرة كادت تتجذر في دول الخليج ،ومن الصّحف التي تابعت الأمر صحيفة النبأ التي أجرت استطلاعات وتحقيقات أخذت فيها آراء عينة كبيرة من المهتمين والمتابعين :
وفي التحقيق الذي أعدّه: حسام محمد، وأشرف عليه د. عدنان بومطيع ونشر في جريدة النبأ البحرينية تحت عنوان:
(العربيزي) لغة وسائل التواصل الاجتماعي تهدد عرش العربيّة..!
(يقول للأسف لقد انتشرت في السّنوات الأخيرة لغة أوجدها الّشباب على مواقع التواصل الاجتماعى، حتى أصبحت سمة سائدة للتواصل فيما بينهم، ولكن أكثر ما صار مزعجاً فى الأمر فى الآونة الأخيرة، هو خضوع مواقع الترجمة العالمية لهذه اللغة، بمعنى إنك عندما تستدعى معنى كلمة من موقع مثل «جوجل للترجمة» على سبيل المثال، سوف تصدمك الكلمة العربية وهى مكتوبة بالأحرف اللاتينية.
لقد أطلق الشباب على هذه اللغة «الفرانكو آرب» أو «العربيزى» وهو كتابة اللغة العربية بحروف إنجليزية، بالإضافة إلى استبدال بعض الحروف العربية التى لا يوجد لها نظير في اللغة الإنجليزية إلى أرقام ، ومن هذه الرموز: (2:أ)، (3:ع)، (5:خ)، (6:ط)، (7:ح)، (8:غ).
ويُسوِّغ الشباب اعتمادَهم على هذه اللغة بأنها أصبحت شائعةً ومستعملةً في صفحات التواصل ومفهومةً من القراء، وأن كثيرًا من أنظمة تشغيل الحواسب ومتصفَّحات الشبكة لا تدعم استعمال اللغة العربية؛ لأسباب تقنيَّة أو جغرافية، وهذا يعود بمسؤولية التعريب إلى الشركات التقنية العربية ومهندسي الحواسيب والمعلوماتية.
تقول عايشة عادل إن لغة العربيزي لا تعجب الكثير من الشباب فيها مجرد لغة اخترعها بعض الشباب وانتشرت فيما بينهم ويتم التواصل بها للتباهي بين مستخدميها هذا ما تأثر به الجيل الجديد بالقنوات والفضائيات وما يتداول في هذه التقنيات من مصطلحات اجنبية تشجع على تداول اللغة الانجليزية أكثر من غيرها.
وأضافت أيضاً أنّ هذا الجيل من الشّباب لا يركّزون على اللغة العربيّة لأنها ليست اللغة الأساسيّة في وقتنا الحالي وأصبح التركيز أكثر على اللغة الانجليزية لأنها هي الأكثر انتشار في العالم وأيضاً مطلوبة في كافة مجالات سوق العمل.

العدد 1106 – 9- 8-2022

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة